بحث | صل صلاة مودع
القرآن الكريم مليء بالمعجزات النفسية والتي تثبت أن هذا القرآن من عند الله! وفيما يلي أهم المقالات والأبحاث في إعجاز القرآن الكريم والسنة والنبوية في مجال علم النفس. ولذلك ما سنتناوله في السطور القادمة يمس كل شخص منا، بل ربما تكون هذا الكتاب سبباً في إحداث تغيير مهم عند بعض القراء ممن لم يطلعوا على هذا العلم بعد. وقد توصلتُ لنتيجة ألا وهي كل ما يكشفه علماء النفس من حقائق صحيحة ويقينية إنما تحدث عنها القرآن قبل أربعة عشر قرناً!! ومهمتنا كمؤمنين ندعي حب القرآن أن نرد هذا العلم إلى أصوله القرآنية، وأن نطمح أن نكون في أفضل مرتبة عند الله، والسبيل إلى ذلك أن نقتدي بنبي الهدى والرحمة في تصرفاته وطريقته في علاج المشاكل وطريقته في التعامل مع من حوله، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين قال في حقهم:
(أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 157].
التحكم بالانفعالات
مَن منّا لم يندم يوماً على كلمة قالها أو تصرف قام به؟ ومن منّا لم يفكر يوماً بضبط انفعالاته ومشاعره؟ ومن منا لا يتمنى أن يتحكم بعواطفه وتصرفاته تجاه الآخرين؟ هذه أسئلة أحببتُ أن أبدأ بها هذا البحث لأعطي من خلالها فكرة عن مضمون ما سنتعرف عليه اليوم. ولكن قبل ذلك أحب أن ألفت انتباه القارئ لشيء قد لفت انتباهي وهو أن الكتب التي تتناول الإجابة عن مثل هذه التساؤلات تحقق المبيعات الأكثر على مستوى العالم!
ما هي البرمجة اللغوية العصبية NLP
ببساطة شديدة قد يسمع الكثير بهذا المصطلح الجديد "البرمجة اللغوية العصبية" "Neuro-Linguistic Programming" ولكن قسماً كبيراً من القراء لا يدرك ما هو هذا العلم وهل هنالك إشارات قرآنية عنه؟
وقد يفاجأ القارئ بأن هذا العلم والذي لم يمض على اكتشافه ووضع أسسه العلمية أكثر من ثلاثين عاماً موجود بأكمله في كتاب أنزل قبل أربعة عشر قرناً! وسوف نثبت هذه الحقيقة من خلال سلسلة المقالات الإيمانية والعلمية وهذه الأولى بينها، وسوف نقرأ ما يخبرنا به القرآن الكريم ونقارن ونتدبر لنخرج من ذلك بأن القرآن هو أول كتاب تحدث عن البرمجة اللغوية العصبية وليس علماء أمريكا!
لقد بدأ هذا العلم في السبعينيات من القرن الماضي، وسبب اكتشافه هو الحاجة لتطوير مدارك الإنسان. فقد كان بعض الناس يحقق نجاحاً كبيراً في حياته، وهذا ما لفت انتباه بعض العلماء فقرروا دراسة أسباب هذا النجاح. ثم خرجوا بنتيجتين مهمتين:
1- إن كل إنسان يحقق نجاحاً ما فهو يستخدم طريقة ما في إدارته لشؤون حياته، وهذه الطريقة أو "الاستراتيجية" في العمل هي التي حققت له نجاحاته.
2- إن أي إنسان يحقق نجاحاً ما، فهذا يعني أننا نحن أيضاً قادرون على تحقيق نجاح مماثل فيما لو اتبعنا الطريق ذاتها. ونقول إذن بكل بساطة: إن البرمجة اللغوية العصبية هي "كيف تتحكم بدماغك"!
تعتمد هذه البرمجة على تزويد القارئ بمجموعة من الأساليب والأفكار والمهارات والتي تجعل منه إنساناً ناجحاً وقوياً. ولكن الشيء الذي يضمن لك النجاح في تحكمك بذاتك أو بدماغك أو السيطرة على انفعالاتك هو -وبكل بساطة- أن تتعلم كيف يعمل عقلك!
لقد اكتشف العلماء أن الانفعالات والعواطف والأحاسيس عند الإنسان لا تسير بشكل عشوائي كما كان يُظن في الماضي، بل هنالك برنامج دقيق يتحكم فيها، وهذا هو السر في إطلاق مصطلح "البرمجة" على هذا
العلم.
- فكلمة "برمجة" تدل على أن هنالك برنامجاً خاصاً بالانفعالات والعواطف يمكن التحكم به تماماً كما نتحكم ببرنامج الكمبيوتر!
- وكلمة "لغوية" تدل على استخدام الكلمات في التواصل مع الآخرين والتواصل مع الذات. أي استخدام اللغة في توجيه الانفعالات.
- أما كلمة"عصبية" تعني أننا يجب أن ندرك كيف يعمل جهازنا العصبي والنفسي لنتمكن من التحكم به وتوجيهه بالاتجاه الذي نريده. تماماً مثل معرفتك بجهاز الكمبيوتر الذي تعمل عليه، فكلما كانت معرفتك بالجهاز الذي بين يديك أكبر، كان لديك قدرة أكبر على التحكم بهذا الجهاز والاستفادة من ميزاته.
هذه البرمجة تهم الإنسان الصحيح مثلما تهم الإنسان المريض، فليس من الضروري أنك تعاني من مشكلة ما حتى تأتي وتتعلم قواعد البرمجة، على العكس يجب أن تستفيد من هذه القواعد وتتمرن على تطبيقها وأنت في حالة الصحة الجيدة، وذلك سوف يجعلك أكثر قوة في حالة المآزق والمواقف الصعبة.
ويمكنني أن أخبرك أيها القارئ الكريم بأن أي واحد منا لديه الكثير من الميزات في قدراته وإمكانياته ولكنه لا يستعملها بسبب عدم علمه بها! كما أنه يمكنك أن تحل أكثر من نصف المشكلة بمجرد إدراكك للحجم الحقيقي لهذه المشكلة!!
يجب عليك أن تتخيل دماغك على أنه مجموعة من الأجهزة الهندسية الدقيقة والتي تعمل وفق برنامج محدد، أنت من سيدير هذا البرنامج وهذا هو مفتاح النجاح! أما إذا لم تدرك هذه الحقيقة فسوف يُدار دماغك من قبل الأصدقاء والأهل والمجتمع المحيط والمؤثرات المحيطة بك، وستصبح إنسانا انفعالياً وغير قادر على التحكم بذاته أو عواطفه.
كيف تتحكم بعواطفك؟
إنها عملية بغاية البساطة وتحتاج فقط لمعرفة قانون بسيط وممارسة هذا القانون. يخبرنا العلماء اليوم بأن هنالك عقل باطن هو الذي يتحكم بعواطف الإنسان وانفعالاته ومشاعره بل وتصرفاته! ولكننا لا ندرك هذا العقل مباشرة لأنه عقل باطن أي خفي.
ولكن التجارب أثبتت حقيقة علمية وهي أن العقل الواعي والذي نفكر فيه ونتعامل معه يتصل مع العقل الباطن بقنوات ضيقة. فأنت مثلاً تستطيع أن تعطي إيحاءً لعقلك الباطن بأنك يجب أن تفعل شيئاً ما. ومع تكرار هذا الإيحاء فإن العقل الباطن يستجيب ويبدأ فعلاً بالتغيير.
لقد وجد العلماء بأن الفترة التي ينشط فيها الاتصال بين العقل الواعي والعقل الباطن هي فترة ما قبل النوم بدقائق، وفترة ما بعد الاستيقاظ من النوم بدقائق أيضاً. فهذا هو الدكتور جوزيف ميرفي يخرج بنتيجة بعد آلاف التجارب في كتابه "قوة عقلك الباطن"، والذي بيع منه أكثر من مليون نسخة! هذه النتيجة هي أن أفضل طريقة للتحكم في الانفعالات والغضب هي أن تردد كل يوم قبل النوم وبعد الاستيقاظ عبارات مثل: "سوف أصبح من هذه اللحظة إنساناً هادئاً ومتزناً وبعيداً عن الانفعالات وسوف تظهر هذه النتيجة في سلوكي غداً..".
لقد عالج الدكتور ميرفي العديد الحالات بهذه الطريقة وكانت النتائج ممتازة والجميع حصل على تحسن في انفعالاته بل منهم من أصبح أكثر هدوءاً من الإنسان العادي!!!
والآن نتمنى أن يعلم الجميع وخصوصاً أولئك الذين لم تقنعهم تعاليم الإسلام أن النبي الكريم قد تحدث عن هذه الظاهرة بوضوح، أي تحدث عن أهمية الاتصال بالعقل الباطن في فترات ما قبل النوم وما بعد الاستيقاظ، وأمرنا باستغلال هاتين الفترتين بالدعاء. ولكن ما هو هذا الدعاء؟
لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نردد كلمات قبل النوم وهي: (اللهم إني أسلمتُ وجهي إليك وفوضّتّ أمري إليك وألجأتُ ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنتُ بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. تأمل معي كم تحوي هذه الكلمات من تفريغ لهموم وشحنات ومشاكل اجتماعية تراكمت طيلة اليوم! وكم تحوي من اطمئنان واستقرار نفسي لمن يقولها قبل أن ينام.
إن علماء أمريكا يعالجون مرضاهم ويعلمونهم كيف يخاطبون أنفسهم: "سوف أصبح من هذه اللحظة إنساناً هادئاً ومتزناً وبعيداً عن الانفعالات وسوف تظهر هذه النتيجة في سلوكي غداً..".
ولكن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف نخاطب الله تعالى ونلقي بهمومنا وانفعالاتنا بين يدي الله ونسلّم له الأمر كله وهو سيفعل ما يشاء، والسؤال: هل هنالك أجمل من أن يكون طبيبك هو الله سبحانه وتعالى؟!! ونتذكر هنا قول سيدنا إبراهيم عليه السلام: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء: 78-82].
إذن هذه هي البرمجة القرآنية تعلمك أهم قاعدة في الشفاء وهي أن الله تعالى هو من سيشفيك وليس عقلك الباطن أو طبيبك، وما هذه إلا وسائل هيّأها الله لك لتستخدمها كطريق للشفاء. وهذا يعني أن قوة العلاج بالقرآن أكبر بكثير من العلاج بخطاب النفس، ولكن إذا تم اللجوء إلى القرآن وإلى علم النفس معاً فستكون النتيجة عظيمة.
والآن سوف نعيش مع خطة عملية لعلاج الانفعالات من العلم الحديث ومن القرآن الكريم.
خطوات علمية وعملية لعلاج الانفعال المزمن
1- يؤكد علماء النفس وعلى مدى أكثر من نصف قرن أن هنالك خطوة أساسية يجب القيام بها لمعالجة الانفعالات، وهي الاعتراف بالخلل أو المرض. فالانفعال النفسي عندما يتطور فإنه يتحول إلى مرض يلازم المريض طيلة حياته، ولا يبدأ هذا المريض بالشفاء حتى يعترف المريض بأن هذا المرض موجود وأنه يجب عليه أن يسارع إلى علاجه.
وهذه حقيقة علمية وليست رأياً لعالم نفس أو نظرية تخطئ وتصيب، وذلك لأن جميع العلماء يؤكدون هذه الحقيقة، أي حقيقة أن يخاطب الإنسان نفسه بعد الانفعال مباشرة ويحاول أن يعترف أمام نفسه بأنه قد تسرّع وأخطأ بهذا الانفعال. وهذه هي الخطوة الأهم في علاج الانفعال.
2- الخطوة الثانية وهي مهمة ومكملة للأولى وهي أن يحاول أن يعطي لعقله الباطن رسائل تقول له: "يجب عليّ أن أتوقف عن هذه الانفعالات لأنها خاطئة وتؤدي إلى نتائج غير مرغوبة وتسبب لي كثيراً من الاحراج". وهذه الرسالة يجب عليه أن يكررها ويقتنع بها، بكلمة أخرى يجب أن ينوي على عدم العودة لمثل هذه الانفعالات التي يظلم بها نفسه.
3- هنالك إجراء عملي يجب على "الانفعالي" أن يبدأ بتطبيقه على الفور وهو التسامح مع الآخرين. فقد أظهرت الدراسات أن أطول الناس أعماراً هم أكثرهم تسامحاً!!! إذن يجب عليك أن تمتلك القدرة على التسامح والعفو عمن أساء إليك أو أزعجك. إذ أنك بدون هذه الخطوة لن تتحسن وستبقى الانفعالات مسيطرة عليك. كما يؤكد الباحثون اليوم بأن إنفاق بعض الأموال على الفقراء ومساعدتهم تكسب الإنسان شيئاً من الاستقرار والاطمئنان، وتعالج لدية حدة الانفعالات.
إن العفو أو التسامح أمر ضروري ومهم لأنه يعالج الخلل من جذوره، فالسبب الكامن وراء أي انفعال هو إحساس هذا المنفعل بأن الآخرين قد أساؤوا له وبالتالي يحاول الانفعال كرد فعل انتقامي منهم. فإذا قرر أن يرسل أيضاً إلى ذاته رسائل يؤكد من خلالها أنه سوف يتسامح مع الآخرين وكرر هذه الرسائل فإنه سيجد نفسه متسامحاً بالفعل!
4- هنالك إجراء داخلي يجب أن ينفذه أيضاً وهو مقاومة هذه الانفعالات ومحاولة إخمادها وذلك بتكرار رسالة أخرى مفادها: "يجب عليّ أن أقاوم أي انفعال أتعرض له مهما كان صغيراً" (5).
هذه الرسالة سوف تجد طريقها للعقل الباطن والذي يعتبر المتحكم الرئيسي بالانفعالات.
5- كإجراء آخر وهو أنك تسلك طريقاً ما وتعتقد بقوة أنه سيؤدي بك إلى النجاح المطلوب، ولكن عند فشل هذا الطريق فإن الواجب تغييره وسلوك طريق آخر حتى يتحقق النجاح المطلوب. إن الاعتقاد بالنجاح هو نصف النجاح، أي أنك إذا اعتقدت بقوة بأنك ستنجح في عمل ما فإن هذه العقيدة ستكون الوسيلة الفعالة لنجاحك في هذا العمل.
ولذلك عليك أن تعتقد وبقوة بأنه لديك القدرة على علاج انفعالاتك وأن هذه الانفعالات سوف تذهب بيسر وسهولة ولكن يجب أن تخاطب نفسك وتوجهها باستمرار إلى ضرورة التخلي عن هذه الانفعالات وعدم الإصرار عليها.
دماغك عزيزي القارئ هو الآلة التي تستقبل الأوامر والتوجيهات، فإذا وجهتَ لهذه الآلة رسائل باستمرار مفادها أنك ستعالج الانفعالات وأنك واثق من ذلك، فإن هذه الآلة ستستجيب تدريجياً، وسوف تصبح لديك القدرة على التحكم بهذه الانفعالات. إياك أن تترك الرسائل السلبية والمظلمة تدخل إلى دماغك، بل اسمح فقط للرسائل المضيئة والإيجابية بالدخول.
والآن وبعدما رأينا خطوات العلاج العلمية بالبرمجة البشرية، ماذا عن البرمجة القرآنية؟؟!
خطوات علاجية من القرآن
لقد حدثنا كتاب الله تعالى عن صفات الجنة التي وعدها الله المتقين: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133]. ولكن ما هي صفات هؤلاء المتقين؟ يقول تعالى في الآية التالية: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134].
لقد تضمنت هذه الآية ثلاثة إجراءات عملية:
1- إنفاق شيء من المال على الفقراء: وهذا ما أكده العلماء أنه يكسب الإنسان نوعاً من الاستقرار النفسي:
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ).
2- أن يحاول الإنسان إخماد انفعالاته بأية طريقة ولا يسمح لها أن تنطلق باتجاه الآخرين: وهذه القاعدة أيضاً تعلم الإنسان شيئاً من الانضباط الذاتي (6) : (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ).
3- لقد تضمنت الآية إجراءً عملياً يتمثل في التسامح مع الآخرين، وهذا ما يؤكده جميع العلماء اليوم من أن التسامح هو أفضل وسيلة لضبط الانفعالات. (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ).
نأتي الآن إلى الآية التالية حيث يقول تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135]. لقد تضمنت هذه الآية أيضاً ثلاثة إجراءات عملية لعلاج ظلم النفس، وجميعنا يعلم أن الانفعال والتسرع والتهور هي أنواع من ظلم الإنسان لنفسه. وهذه الإجراءات هي:
1- الاعتراف بالذنب: فعندما يرتكب المؤمن فاحشة أو ظلماً لنفسه أو ينفعل أو يتسرع في تصرف ما يجب عليه مباشرة أن يدرك خطأه بل ويعترف به: (ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ)، إن هذه الآية تؤكد على الاعتراف بالذنب، لأن الاستغفار وطلب المغفرة من الله تعالى لا يكون إلا بعد أن يحس المؤمن بخطئه وذنبه فيستغفر الله. وقد أكد جميع الباحثين أن الاعتراف بالذنب أمام النفس هو طريق للشفاء. ولكن القرآن يأمرنا أن نعترف بذنوبنا أمام الله تعالى!! فهو الأقدر على شفائنا.
2- اليقين بأن هذا الانفعال وهذا الخطأ يمكن معالجته: ويؤكد العلماء أن ثقة المريض بالشفاء ويقينه بذلك تمثل نصف الشفاء إن لم يكن أكثر، وهنا يتجلى معنى قوله تعالى: (
وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) فهذه الكلمات تنح المؤمن ثقة كبيرة بإمكانية مغفرة
الذنب وأن هذا الانفعال يمكن ألا يتكرر.
3- يؤكد جميع علماء البرمجة اللغوية العصبية أن الطريق المثالي لعلاج الكثير من الاضطرابات النفسية والانفعالات هو أن يكون لديه الإرادة الكافية والقوية لعدم تكرار الانفعال وعدم الإصرار عليه، والسؤال: أليس هذا ما تحدثت عنه الآية الكريمة:
(وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)؟؟
لنتأمل الآن النص القرآني: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 133-136].
اسأل مجرّباً!!
سوف أخبرك بشيء مهم كان يحدث معي قبل عشرين عاماً عندما كنت أحفظ كتاب الله تعالى، وهو أنني كنتُ أقف أمام بعض الآيات التي كانت تؤثر بي، وأكررها عشرات المرات ثم أكتبها على ورقة وأضعها أمامي متأملاً كلماتها ومعانيها وكنتُ أشعر في ذلك الوقت بأن هذه الآيات تُحدث تأثيراً كبيراً في قناعاتي وعقيدتي ومبادئي.
فلا أنسى أبداً آية من الآيات الرائعة والتي كتبتها وعلّقتها على جدار غرفتي وهي قوله تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 107].
وأقول لك أخي القارئ إن هذه الآية قد عالجَت عندي أكثر من 90 بالمئة من الحزن والكآبة والقلق والخوف والتردد!!! ولكن كيف ذلك؟
لقد كانت أشياء كثيرة تسبب حزناً وكآبة بسبب الإحباطات التي يتعرض لها الإنسان أحياناً نتيجة فشله في عمل ما، أو خطئه في تصرف ما أو تسرعه في كلمة يقولها ثم يكتشف أنه مخطئ، أو نتيجة رسوبه في امتحان أو فشله في علاقة عاطفية.
وعندما علمتُ أن أي ضرّ يصيبني إنما هو من الله تعالى، وهو أمر مقدر من قبل أن أُخلق، وهذا الضُرّ لا يمكن لأحد أن يُذهبه ويكشفه إلا الله تعالى. فكنتُ أقول: إذن لماذا أنا حزين وقلق ومحبط؟ إذا كان الله تعالى وهو أرحم الراحمين هو من مَسّني بهذا الضرّ وهو من سيكشف هذا الضرر، فهل هنالك أجمل من هذا الأمر؟
لقد غيّرت هذه القناعة الجديدة أشياء كثيرة في حياتي فتحول الوقت الذي كنتُ أمضيه في التفكير فيما سبق من أخطاء ومشاكل، تحول هذا الوقت إلى وقت فعال أقرأ فيه القرآن أو أتعلم فيه شيئاً جديداً من أمور العلم! إذن انظر معي إلى هذه الكلمات (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) كيف غيّرت حياة إنسان بأكملها، وكيف غيرت الوقت من وقت ضائع إلى وقت مثمر وفعّال!
ولكن ماذا عن المقطع الثاني من الآية؟ (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ) هذه الكلمات المليئة بالرحمة والتفاؤل والحيوية كانت تغير فيّ الكثير أيضاً. فقد كنتُ في كثير من الأوقات أعاني من قلق وخوف حول أشياء سوف تحدث أو أتخيلها أنها ستحدث، مثل توقع الفشل في عمل ما أو توقع الخطأ في تصرف ما. بل كنتُ أتردد كثيراً في عمل شيء ما: هل أفعله أم لا؟
وعندما قرأتُ هذه الكلمات الإلهية أدركتُ بأن أي خير سيصيبني لا يمكن أن يأتي خارج إرادة الله عز وجل! وأدركتُ أيضاً بأن أي خير سيأتي، لن يستطيع أن يردّه أو يبعده عني أحد إلا الله تعالى!
وقلتُ إذا كان الخير كله من عند الله فلماذا أنا قلق وخائف؟ إذا كان الشيء الذي سأقوم بفعله وأنا قلق حول نتائجه، إذا كانت هذه النتائج بيد الله وهو الذي سيعطيني الخير ولن يمنعه أحد من ذلك، إذن لماذا التردد في فعل هذا الأمر مادام الأمر فيه الخير ورضا الله ؟
وبالنتيجة ساهَمت هذه الآية في القضاء على التردد والخوف والقلق، لقد أحدثَت هذه الكلمات الربانية تغييراً في سلوكي أيضاً. فلم يعد لدي حسابات كثيرة أجريها قبل القيام بعمل ما، ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني التوفير في الوقت أيضاً، لقد أصبح لدي وقت كبير أستطيع الاستفادة منه في تطوير معرفتي وعلمي.
(يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) هذا هو المقطع الثالث من الآية الكريمة، وهذا يعني أن الله تعالى هو من يختار من البشر من يشاء ليصيبه بالخير، إذن كيف أضمن أن الله تعالى سيصيبني بهذا الخير؟ يجب قبل كل شيء أن أصلح علاقتي مع الله تبارك وتعالى.
إن أول خطوة في إصلاح علاقتك مع الله هي أن تتوجه بإخلاص كامل إلى الله ليس هنالك أي مصلحة إلا رضا الله تعالى، وعندها خرجتُ بنتيجة وهي أن هذه الآية وعلى الرغم من قصر كلماتها إلا أنها ممتلئة بالتوجيهات التي تغير سلوك إنسان بالكامل، هذه الآية هي إعادة لبرمجة الدماغ وتغيير المعلومات المختزنة فيه من معلومات يسيطر عليها التردد والخوف والقلق إلى معلومات مليئة بالقوة والتفاؤل والاطمئنان.
والآن يا أحبتي نقول:
يجب أن نعلم بأن أفضل وأقصر طريق لإعادة برمجة الدماغ هو أن تبدأ بقراءة آيات من القرآن، بل وتصمم على حفظ القرآن دون النظر إلى النجاح أو الفشل في ذلك، أنت فقط صمم ولا تلتفت للتعليمات
السلبية التي يمارسها الشيطان عليك، فقط قل: "إنني أنوي حفظ هذا القرآن وسوف أعمل على ذلك وأرجو من الله أن يعينني". بل وكرر هذه الرسالة قبل النوم وبعد الاستيقاظ.
وأنا على ثقة تامة بأنك سوف تحفظ القرآن (وهذا ما حدث معي)، وسوف ترى التحولات الكبرى في حياتك نتيجة لهذا الحفظ، وسوف ترى أيضاً كيف تبدأ مشاعر الخوف والقلق والتردد والحزن بالاضمحلال، وكيف تُستبدل بمشاعر من التفاؤل والاطمئنان والسعادة والنجاح.
سوف ترى حالما تبدأ بعملية الحفظ كيف تتطور لديك القدرات الذهنية، كيف تصبح ذاكرتك أفضل بمئة مرة، كيف تصبح أكثر قدرة على التعامل مع الآخرين بل وأكثر كسباً لثقتهم، وسوف تجد نفسك أكثر قدرة على خطاب الآخرين وأكثر قدرة على التعبير عما تريد بكل يسر وسهولة (وهذا ما حدث معي أيضاً)! والسؤال أخي الحبيب: هل اقتنعت معي أخي العزيز بالبرمجة القرآنية الإلهية؟
علاج المشاعر السلبية
ربما يكون من أكثر الكتب مبيعاً على مستوى العالم اليوم ما يدور حول البرمجة اللغوية العصبية، ولو طالعنا هذه الكتب أو بعضاً منها نلاحظ أن علماء هذه البرمجة يقترحون طريقة عملية لعلاج الخلل في النفس البشرية، مثل الفشل والاكتئاب والمشاعر السلبية وغير ذلك.
إن الطريقة الناجحة والأكثر استخداماً من قبل المعالجين والمحاضرين هي أن يجلس الشخص الذي يعاني من مشاعر سلبية ويضع ورقة وقلماً ويفكر بعدد من المشاعر السلبية الموجودة فيه، أو التي يحس بها، ثم يكتب عدة مشاعر إيجابية يطمح إلى تحقيقها ويظن بأنها تحقق له النجاح. الآن يبدأ بالتفكير بما دوَّنه من مشاعر سلبية وما تسببه له فيما لو استمر تفكيره على هذه الحال، يبدأ بتخيل المواقف الصعبة التي سيمرّ بها فيما لو ظل الحال على ما هو عليه من انفعالات سلبية وتصرفات قد تسيء له. يتصور نظرة المجتمع له وهو يحمل هذه الاعتقادات والأحاسيس السلبية، يحاول أن يتخيل ردود أفعال المجتمع المحيط به على ما يحمله من أفكار سلبية منفّرة.
بعد ذلك ينتقل إلى المشاعر الإيجابية والأفكار التي يحلم أن يحملها والصفات التي يود أن يتحلى بها، يفكر بنتائجها الإيجابية، يفكر بما ستقدمه له من استقرار نفسي وجسدي، ويتصور الحالة التي سيكون عليها فيما لو تحلى بهذه الصفات الإيجابية.
يحاول أن يتخيل حجم الفوائد التي سيجنيها من المشاعر الإيجابية وكيف ستتغير نظرة من حوله إليه، يتخيل مدى محبة الآخرين له وكيف سيكسب احترامهم وتقديرهم وثقتهم به.
وفي هذه الحالة سوف تتفاعل هذه الأفكار وتنفذ إلى العقل الباطن ويبدأ التغيير باتجاه الأفضل، فالنفس البشرية بطبيعتها تميل إلى حب النجاح وحب الاستقرار وحب الأمل.
لماذا يختار المعالجون هذا الأسلوب؟
هذا سؤال لا بدّ منه، فعلماء البرمجة اللغوية العصبية يفضلون هذا الأسلوب لعدة أسباب أهمها النتائج العجيبة التي يقدمها، فقد ساهم هذا الأسلوب في علاج آلاف البشر وتحسين أدائهم وساهم أيضاً في تحويلهم من أناس سلبيين لا يقدمون أي فائدة لأنفسهم أو لمجتمعهم، حوّلهم إلى أناس إيجابيين امتلئوا بالأمل والمحبة، وأصبحوا يحققون نجاحات مبهرة في حياتهم.
لقد درس علماء البرمجة الكثير من الأناس الناجحين مادياً، فوجدوا أنهم يتبعون هذا الأسلوب في حياتهم، فتجدهم يتخيلون النجاح الذي سيحققونه وما ينتج عنه من فوائد، ويتخيلون بنفس الوقت الفشل وما ينتج عنه من عواقب، فتجدهم يبذلون جهداً مضاعفاً لإبعاد أي فشل عنهم ولكسب النجاح باستمرار.
إن علماء النفس وجدوا أن الإنسان يستجيب لأسلوب الثواب والعقاب. وأن طاقة الإنسان الكامنة كي تتحرر لا بدّ من أهداف تضعها أمامها وتعمل على تحقيقها.
وباختصار فإن هذه الطريقة تعتمد على تصور النواحي السلبية والنواحي الإيجابية في نفس الوقت، وترك النفس لتختار الناحية الإيجابية وتتفاعل معها. ولكن ماذا عن كتاب الله تعالى؟
هل تحدث القرآن عن هذا الأسلوب؟
إن الذي يتأمل كتاب الله تعالى يلاحظ أنه استخدم هذه الطريقة في علاج الفشل لدى البشر، وعلاج المشاعر السلبية وتحويلها إلى مشاعر إيجابية. وهذا نجده في كل القرآن وليس في آية محددة. وسوف نستعرض مثالاً من كتاب الله تعالى ونرى التفوق الكبير للقرآن على العلم الحديث.
لقد قدّم لنا القرآن تصورات كثيرة إيجابية وسلبية وعرضها أمامنا وكأننا نراها، ثم عرض لنا النتائج التي تسببها ثم ترك لنا حرية الاختيار. حتى إننا لا نكاد نجد آية تتحدث عن الجنة إلا ومعها آية تتحدث عن النار، ولا نكاد نجد آية تتحدث عن العمل الصالح ومحاسنه، إلا وتليها آية تتحدث عن العمل السيئ وعواقبه وسلبياته.
كيف عالج القرآن الفشل واليأس؟
ماذا يمكن لإنسان فقد الأمل من كل شيء أن يفعل؟ كيف يمكن له أن ينجح في الدنيا والآخرة؟ ينادي الله تعالى هؤلاء اليائسين الذين أسرفوا على أنفسهم وارتكبوا المعاصي، يناديهم نداء مفعماً بالرحمة، يقول تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) [الزمر: 53-54].
في هذا النداء يأمر الله هؤلاء اليائسين بألا يفقدوا الأمل من رحمة الله تعالى، ويخبرهم بأن الذنوب والفشل والمعاصي وكل أنواع الإسراف التي ارتكبوها فإن الله تعالى يمحوها بلمح البصر بشرط أن يرجع الإنسان وينيب إلى الله تعالى بقلب سليم!
ثم يحذرهم من عذاب سيأتيهم إن لم يفعلوا ذلك ويرجعوا إلى الله ويتوبوا إليه. إذن تأمل معي كيف جاءت الآية الأولى بخبر إيجابي والآية الثانية جاءت بخبر سلبي، فالآية الأولى تتحدث عن مغفرة الله ورحمته، وعدم اليأس: (لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ). أما الآية الثانية فتحذر من عواقب عدم الرجوع إلى الله وأن العذاب سيأتي: (وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ).
ثم تأتي الآيات التالية لتصور لنا نتائج الأعمال السلبية إذا بقينا عليها، وتأمرنا بتغييرها فوراً، يقول تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الزمر: 55]. وتأمل معي أخي الحبيب الأمر الإيجابي (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) ويليه مباشرة النتيجة السلبية المؤلمة لمن لا ينفذ الأمر الإلهي (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ).
ثم تأتي مرحلة التصور لنتائج الفعل السلبي من خلال آيات مرعبة، تصور لنا هذه الآيات احتمالات متعددة لنتائج سلبية مؤكدة الحدوث فيما لو لم نستجب للتغيير الإيجابي الذي يأمرنا القرآن به، يقول تعالى: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر: 56-60].
وتتضمن هذه الآيات تصورات لما يمكن حدوثه: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا): نتيجة سلبية تتضمن الحسرة والندم. بتغييرها فوراً، (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي): نتيجة سلبية تتضمن أحلاماً لن تتحقق. (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ): نتيجة سلبية تتضمن تمنّي الرجوع إلى الماضي ولكن هيهات أن يحدث ذلك.
ولكن ماذا يحدث لو استجبنا للبرمجة القرآنية وطبقنا ما أمرنا الله تعالى به، انظر إلى الآية التالية التي تصور لنا النتائج الإيجابية العظيمة في ذلك اليوم: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر: 61]. وتتضمن هذه الآية ثلاثة
نجاحات متتالية:
1- النجاة من عذاب الله يوم القيامة: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ).
2- لن يكون هنالك أي أمر سيء في المستقبل: (لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ).
3- لن يكون هنالك أي حزن على ما مضى: (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
إنه نصّ واحد يحوي كل هذه العجائب، فكيف بنا لو أردنا أن نستخرج من القرآن جميع الآيات التي تسير وفق هذا النظام الإلهي المحكم؟ إننا لن نحصي كل الآيات لأن القرآن مليء بالعجائب والأسرار!
وملخص القول
يطمح العلماء اليوم وفي محاولات منهم لإزالة المشاعر السلبية أن يجعلوا الشخص الذي يعاني من هذه المشاعر يتصور احتمالات النتائج السلبية التي سيمر بها فيما لو ظل الحال على ما هو عليه، وأن يتصور في نفس الوقت النتائج الإيجابية العظيمة التي سيجنيها فيما لو غير هذه المشاعر باتجاه الأفضل، وهذه الطريقة قد أعطت نتائج عظيمة في علاج المشاعر السلبية والتغيير نحو الأفضل.
إن القرآن العظيم استخدم هذه الطريقة قبل أن يكتشفها العلماء بأربعة عشر قرناً، فنجد في كل نص من نصوصه تصويراً دقيقاً للمشاعر السلبية وما قد تسببه في المستقبل، وبنفس الوقت يصور لنا بدقة النواحي الإيجابية ونتائجها وفوائدها في الدنيا والآخرة.
وتأمل معي هذا التصوير الرائع الذي يضعه القرآن أمامنا، وكيف يبين لنا النتيجة السلبية والنتيجة الإيجابية ويقارن بينهما ثم يترك لنا حرية الاختيار: (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [فصلت: 40]. هذا سؤال ينبغي علينا أن نحضر الإجابة عنه منذ هذه اللحظة لكي ينجينا الله من عذاب أليم. نسأل الله تعالى أن يجعل حياتنا كلها إيجابية وأن يعيننا على تطبيق ما جاء في كتابه إنه على كل شيء قدير.
قوة الشخصية
يؤكد علماء البرمجة اللغوية العصبية أن أهم شيء في قوة الشخصية هو عدم الخوف، أو ما يعبّر عنه بالثقة بالنفس. ولكن كيف يمكن الحصول على شخصية لا تخاف؟ يعتبر العلماء أن أفضل طريقة للقضاء على الخوف أن تواجه ما تخاف منه. فلا يمكن لإنسان أن يكون قوياً ما لم يعالج ظاهرة الخوف عنده. والمشكلة أن المواجهة تتطلب شيئاً من القوة، إذن العملية عكسية.
كذلك يؤكد العلماء على ضرورة أن يظهر الإنسان بمظهر الإنسان الواثق من نفسه فلا يُظهر أية أحزان أو هموم أو ضعف. لأن الظهور بمظهر الإنسان الحزين يعطي انطباعاً بالضعف لدى الآخرين. إذن هنالك تأكيد من قبل العلماء على ضرورة عدم الخوف وعدم الحزن لتكسب الشخصية القوية.
هذا ما يقوله العلماء، ولكنني كمؤمن أعود دائماً إلى كتاب الله تعالى. فكثيرة هي الآيات التي تتحدث عن الخوف ونجد تأكيداً من الله تعالى على أن المؤمن لا يخاف أبداً إلا من خالقه عز وجل. يقول تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62-64].
والسؤال: لماذا تحدث الله عن الخوف بصيغة الاسم (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)، بينما تحدث عن الحزن بصيغة الفعل (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)؟ لنتأمل هذه الأشياء:
- الخوف هو رد فعل لا شعوري وبالتالي ليس في تحكم الإنسان، فجميع الكائنات الحية تخاف فلذلك جاء بصيغة المصدر (
خوف). بينما الحزن هو تصرف شعوري وإرادي، ويمكن لإنسان أن يحزن وآخر ألا يحزن عند نفس الظروف ولذلك جاء بصيغة الفعل (
يحزنون).
- الآثار والنتائج التي يسببها الخوف أكبر من تلك التي يسببها الحزن، ولذلك قدَّم الله ذكر الخوف على ذكر الحزن في الآية الكريمة.
- الخوف يأتي من مصدر خارجي، لذلك جاءت كلمة (عليهم) لتعبر عن المحيط الخارجي الذي يحيط بالإنسان. بينما الحزن يأتي من مصدر داخل الإنسان ولذلك سبق هذا الفعل بكلمة (هم).
- لا خوف ...... عليهم : الخوف أولاً ثم (عليهم). للدلالة على سرعة الشعور بالخوف، وهو أجزاء من الثانية. أي أن الخوف هو عمل فجائي مباغت، وهذا ما يقوله العلم.
- ولا هم....... يحزنون : (هم) ثم الحزن. للدلالة على أن الإنسان هو الذي يقوم بالحزن وهذا يستغرق زمناً قد يمتد لساعات، أي أن الحزن لا يكون فجائياً.
- الخوف يكون من المستقبل بينما الحزن يكون على شيء مضى أو يعيشه في نفس اللحظة، والمستقبل مجهول بينما الماضي معلوم والإنسان يهتم بمعرفة المستقبل أكثر من الماضي لذلك جاء ذكر الخوف أولاً ليطمئن المؤمن على مستقبله، ثم جاء ذكر الحزن ليطمئن المؤمن على ماضيه وحاضره وبالتالي شمل جميع الأزمنة!
ولذلك أينما ذكر الخوف والحزن في القرآن نجد الخوف يتقدم على الحزن لهذه الأسباب. حتى إن (الخوف) في القرآن قد تكرر أكثر من (
الحزن)، فسبحان الذي أحصى كل شيء عدداً.
إن المؤمن الذي يعود نفسه على الخوف من الله تعالى، فلا يخاف أي شيء آخر. وإذا أردت أن تقضي على أي خوف مهما كان كبيراً فما عليك إلا أن تستحضر عظمة الله وتتذكر قوته وعظمته وتقارن ذلك بقوة الشخص الذي تخاف منه وحدوده، لتجد أن كل الدنيا لا تساوي شيئاً أمام قوة الله تعالى. وهذه العقيدة ستجعل الإنسان أكثر قدرة على المواجهة وبالتالي تجعله أكثر قدرة على درء المخاوف.
يقول علماء البرمجة اللغوية العصبية أن هنالك طريقة مهمة لكسب شخصية قوية من خلال التأمل والتفكير والاسترخاء. فيمكنك أن تجلس وتسترخي وتتذكر عواقب الخوف الذي تعاني منه، وبالمقابل تتذكر فوائد قوة الشخصية وعدم الخوف، وهذا سيجعل عقلك الباطن أكثر ميولاً لعدم الخوف، وبالتالي سوف تشعر بالقوة من دون أن تبذل أي جهد فيما بعد.
وهذا ما فعلته الآية الكريمة، فقد تحدثت عن ضرورة عدم الخوف، وأعطتنا الطريق لذلك من خلال التقوى (يَتَّقُونَ)، وصورت لنا بعد ذلك نتائج ذلك (لَهُمُ الْبُشْرَى). أي هنالك حلول عملية يقدمها القرآن للقضاء على الخوف، فأنت عندما تكون تقياً فذلك يعني أن علاقتك بالله تعالى ممتازة، ولذلك فسوف تحصل على القوة وتستمدها من القوي سبحانه.
الحب والسيطرة
يتوهم كثير من الناس ويعتقدون أن السيطرة على الآخرين إنما تكون بالعنف والقوة، وهذا النوع لا يحقق سوى السيطرة الظاهرية. ففي وجودك تجد الآخرين يحترمونك أو يخافون منك، ولكن بمجرد أن تغيب يحتقرونك. وهذه سيطرة سلبية لأنها لا تحقق أي نتيجة، بل نتائجها ضارة.
وهنالك سيطرة أكبر بكثير هي السيطرة على القلوب! ولا يمكن أن تحصل على هذا النوع إلا بالمحبة، وأن تجعل الآخرين يطيعونك بمحض إرادتهم وبكل طواعية وانقياد. وهذا ما تمتع به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فقد ملك القلوب والعقول، ولكن كيف ذلك؟
يقول علماء البرمجة اللغوية العصبية من أهم صفات القائد الناجح أن تهتم بمن حولك، وأن تتعلم كيف تصغي لهمومهم ومشاكلهم، وهذه تكسبك قوة واحتراماً في قلوب هؤلاء. كذلك يجب عليك أن تتعلم كيف تتغلب على
الانفعالات، فالتسرع والتهور لا يعطيان نتيجة إيجابية.
ويقول العلماء إن أفضل طريقة للقضاء على التسرع أو الانفعال أن تكون متسامحاً، ولذلك يقول تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى: 40]، ويقول أيضاً: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى: 43]. أي أن الصبر والعفو والتسامح، هو من الأشياء التي تعطي قوة في العزيمة وهذا ما ينعكس على قوة الشخصية.
كذلك هنالك صفة مهمة وضرورية لتكون شخصيتك قوية وهي أن تتعلم كيف تكسب ثقة الآخرين، وهذا يمكن تحقيقه بسهولة بمجرد أن تكون صادقاً، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
فالصدق يجعل الناس أكثر احتراماً لك، ولكن هنالك فرق بين أن تكون صادقاً لأجل الناس، أو تكون صادقاً لأجل الله تعالى. ففي الحالة الأولى لا تكسب أي أجر في الآخرة لأنك تكون قد أخذت ثواب عملك في الدنيا من احترام الناس وتقديرهم لك وتعاملهم معك وثقتهم بك.
أما إذا كان صدقك من أجل الله، فإنك تكسب أجر الدنيا وأجر الآخرة، في الدنيا تكسب الاحترام والثقة والمحبة، وفي الآخرة تكسب الأجر العظيم فتكون مع الأنبياء والصدّيقين والصالحين.
القدرة على التحكم بالعواطف
إذا أردت أن تكون قوياً في أعين الناس، فيجب أن تنطلق القوة من داخلك! وهذا يعني أن القوة تسكن في أعماق الإنسان، أي في عقله الباطن، فإذا ما تمكنت من إعادة برمجة هذا العقل الخفي، ودرّبته جيداً فسوف تكون إرادتك قويه وقراراتك حاسمة وبالتالي تمتلك شخصية مميزة، ولكن كيف نبرمج العقل الباطن وهو جزء لا شعوري لا نعرفه ولا نحسّ به ولا نراه؟
هنالك أمر اسمه التكرار والإصرار والمتابعة، فعندما تكرر أمراً ما وتعتقد بصحته وتستمر على ذلك لفترة من الزمن، فإن العقل الباطن سيستجيب لهذا الأمر ويعتقد به. وقد وجدتُ أن أفضل طريقة لإعادة برمجة العقل الباطن هي أن تتم برمجته على تعاليم القرآن الكريم، وهكذا كان النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام (كان خُلُقُهُ القرآن).
إن عملية حفظ القرآن تتم أثناء تكرار الآيات لمرات عديدة، هذا التكرار له أثر على العقل الباطن، وبخاصة إذا كانت عملية الحفظ مترافقة بالفهم والتدبر والتأمل. فعندما نحفظ قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر: 10]. هذه الكلمات عندما نكررها مراراً ونحاول أن نعتقد بها فإن النتيجة ستكون أن عقلنا الباطن سيوقن بأن القوة والعزة والكرامة لا يمكن أن تكون خارج كتاب الله، ولا يمكن لإنسان أن يكون عزيزاً وقوياً إلا بمرضاة الله تعالى.
فالعزة لله ونحن نستمد العزة منه، ولذلك وبعدما تنطبع هذه الآية في العقل الباطن، فإن سلوكنا سيتغير بالكامل، لن يكون هنالك أي خوف من أي مخلوق، لأننا سندرك أن العزة والقوة لن تكون إلا مع الله، وبما أننا نعيش مع الله تعالى بكل أحاسيسنا وعواطفنا فهذه هي القوة الحقيقية.
إن الحياة عبارة عن مجموعة من المواجهات، قد تكون ناجحة أو تكون فاشلة. ويكفي أن تحس بالانتصار في كل مواجهة حتى يتحقق ذلك الانتصار، ولذلك عندما نقرأ قوله تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 160]، فإن ثقة عظيمة تتولد في داخلنا بشرط أن نثق بهذا الكلام وندرك أن الله سيعيننا ويكون بجانبنا في مواجهة أي مشكلة، فقد تكون مشاكل الحياة أكثر صعوبة من المعارك والحروب!!
والعجيب في هذه الآية أنها صورت لنا جانبين: إيجابي وسلبي والطريقة العملية لتحقيق الجانب الإيجابي. فهنالك نصر وهنالك خذلان وكلاهما بأمر الله وإرادته، فإذا توكلت على الله أي اعتمدت عليه وسلّمته شأنك وأيقنت بأن الله قادر على كل شيء، فإن الله سينصرك وسيحلّ لك مشاكلك، وهذه الثقة تشكل كما يقول العلماء نصف الحلّ!!
أدرك قوتك الحقيقة
يعتقد العلماء أن القوى الموجودة في الإنسان كبيرة وهائلة، ولا نستخدم منها إلا أقل من 5 بالمئة! فكل إنسان لديه قوة التأثير، ولديه قوة الإرادة ولديه قوة التركيز والتفكير ولديه كمية كبيرة من الذكاء، ولكنه نادراً ما يستخدمها. إذن يجب علينا أن نتعلم كيف نحرر ونطلق هذه القوى ونستفيد منها.
فإذا أردت أن تكون قوي الشخصية فيجب عليك أن تعتقد أن شخصيتك قوية بما فيه الكفاية لمواجهة أي مشكلة أو أزمة بثقة ونجاح. لذلك يجب أن تتعرف على هذه القوى وتتعلم كيف تستثمرها بنجاح. ويمكنك ذلك من خلال دراسة سير بعض الناجحين في الحياة، وتعتقد أنه بإمكانك أن تكون مثلهم.
أذكر منذ سنوات وأنا في الجامعة وقد كُلفتُ بإلقاء محاضرة بسيطة لمدة ربع ساعة، وقد كان اعتقادي أنني سأواجه صعوبات في ذلك، وعندما حان موعد المحاضرة وجدت نفسي أتحدث عدة جمل ثم اختلطت الأفكار عندي ولم أعد أعرف كيف أكمل أو كيف أنهي هذه المحاضرة، مع العلم أن حجم المعلومات التي حضرتها كان كبيراً جداً، وقد فشلت المحاضرة.
ولكن بعد ذلك "وبعدما تطورت معرفتي بنفسي" طُلب مني أن أقوم بشرح نظريتي في
الإعجاز الرقمي، وذلك من أجل إعداد فيلم عن هذا الموضوع، ومع أن هذا الفيلم سيُعرض على لجان علمية وشرعية وهو على قدر من الأهمية، والمنطق يفرض أن أكون أكثر ارتباكاً من المحاضرة التي ألقيتها أمام زملائي وفي جو مريح.
ولكن هذه المرة قمت بعمل جديد، فقد أقنعتُ نفسي أنه باستطاعتي أن ألقي محاضرة طويلة وأتحدث فيها عن أشياء مهمة وأن هذا الأمر سهل جداً بالنسبة لي، وكانت النتيجة أن لساني انطلق بشكل مذهل ولم أحس بالوقت مع أن المحاضرة استمرت أكثر من ساعتين!!
إذن لم يتغير شيء سوى أنني أدركت أن القوى موجودة في داخلي وتحتاج لمن يحررها وأن باستطاعتي أن أقوم بأي عمل يقوم به شخص آخر. وبعبارة أخرى ولكي نتمكن من القيام بأي عمل مهما كان صعباً فما علينا إلا أن نظن ونعتقد ونوقن أنه باستطاعتنا أن نقوم بهذا العمل، وسوف ننجح في ذلك.
قوة اللغة
إن اللغة هي الوسيلة الأساسية للاتصال بالآخرين والتأثير عليهم. ولذلك فهي جزء مهم من قوة الشخصية. وفي علم البرمجة اللغوية العصبية تلعب اللغة دوراً كبيراً في إعادة برمجة المعتقدات والأفكار.
وقد يعاني كثير من الناس من مشكلة التعبير بدقة عما يريدون. فقد تجد شخصاً لديه أفكار كثيرة ولكنه عندما يريد أن يتكلم لا يعرف ما يجب أن يتكلم به، أو ربما ينسى ما يريد قوله أو يتردد في هذا القول، فما هي الطريقة المناسبة للتغلب على هذه الصعوبة والتي تضعف من الشخصية والتأثير على الآخرين.
بعد تجربة طويلة مررت بها لم يكن باستطاعتي التعبير عما أريد، وغالباً ما كنت أتردد في قول العبارات الكثيرة، وأحياناً أرتبك في بعض المواقف. وعندها لم أجد حلاً مناسباً على الرغم من أنني قرأت العديد من كتب علم النفس. لقد وجدتُ طريقة رائعة لامتلاك اللغة السليمة والقوية وهي حفظ القرآن الكريم.
فقد بدأتُ ألاحظ على نفسي وأنا أحفظ القرآن وأكرر آياته أن لساني أصبح أكثر مرونة وأكثر تعبيراً. فالقرآن يكسبك قوة هائلة في التعبير عما تريد، فالله تعالى هو القائل: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: 9]. إذن القرآن يقوّم أي خلل تعاني منه، وهذا الكلام عن تجربة مؤكدة.
وأنا أظن بأن البرمجة التي فطر الله الناس عليها موجودة في القرآن الكريم، فقراءتك للقرآن وحفظك له يعني أنك تعيد تشكيل وبناء وبرمجة دماغك للحدود الطبيعية التي خلقك الله عليها، وإذا سألت أي إنسان يحفظ القرآن يستطيع أن يخبرك الشيء ذاته.
والآن أخي القارئ
كما تلاحظ لا يوجد شيء اكتشفه العلماء حول قوة الشخصية إلا وقد سبقهم القرآن إلى ذكره، ولذلك فإذا أردت أن تحصل على أفضل شخصية فما عليك إلا أن تقرأ القرآن بتدبّر، وتعمل بما قرأت، وهذه هي أقصر طريق لتحظى بسعادة الدنيا والآخرة.
ويمكن أن ننظر إلى الشخصية مثل كائن حي يتطور ويتغير ولذلك يجب أن نغيره باتجاه الأفضل، ويجب أن تعلم أن التغيير يبدأ من الداخل، وعليك أن تحفظ قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
علاج التردد والإحساس بالذنب
يؤكد علماء البرمجة اللغوية العصبية على أهمية أن تنظر لجميع المشاكل التي تحدث معك على أنها قابلة للحل، بل يجب عليك أن تستثمر أي مشكلة سليبة في حياتك لتجعل منها شيئاً إيجابياً. وقد دلَّت الأبحاث الجديدة على أن الإنسان عندما ينظر إلى الشيء السلبي على أنه من الممكن أن يكون إيجابياً مفيداً وفعَّالاً، فإنه سيكون هكذا بالفعل.
إن كل واحد منا يتعرّض في حياته لبعض المنغصات أو المشاكل أو الهموم أو الأحداث، وكلما كانت قدرة الإنسان أكبر على تحويل السلبيات إلى إيجابيات، كان هذا الإنسان قادراً على التغلب على التردد والخوف وعقدة الإحساس بالذنب.
إذن أهم عمل يمكن أن تحول به الشرّ إلى خير هو أن تنظر إلى الأشياء السلبية بمنظار إيجابي، وهذا ما فعله القرآن عندما أكد لنا أن الأشياء التي نظنها شراً قد يكون من ورائها الخير الكثير، وهذه قمة الإيجابية في التعامل مع الأحداث، يقول تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
إن هذه الآية تمثل سبقاً علمياً في علم البرمجة اللغوية
العصبية، لأنها بمجرد أن نطبقها سوف تحدث تأثيراً عجيباً إيجابياً ينعكس على حياتنا النفسية بشكل كامل، وهذا – أخي القارئ – ما جرّبته لسنوات طويلة حتى أصبحت هذه الآية تشكل عقيدة راسخة أمارسها كل يوم، وأنصحك بذلك!
علاج الاكتئاب
يقول علماء النفس: إن أفضل طريقة لعلاج الكثير من الأمراض النفسية وبخاصة الاكتئاب أن تكون ثقتك بالشفاء عالية جداً، حتى تصبح على يقين تام بأنك ستتحسن، وسوف تتحسن بالفعل. وقد حاول العلماء إيجاد طرق لزرع الثقة في نفوس مرضاهم، ولكن لم يجدوا إلا طريقة واحدة فعالة وهي أن يزرعوا الثقة بالطبيب المعالج.
فالمريض الذي يثق بطبيبه ثقة تامة، سوف يحصل على نتائج أفضل بكثير من ذلك المريض الذي لا يثق بطبيبه. وهذا ما فعله القرآن مع فارق واحد وهو أن الطبيب في القرآن هو الله سبحانه وتعالى!!! ولذلك فإن الله هو من أصابك بهذا الخلل النفسي وهو القادر على أن يصرف عنك هذا الضرّ، بل وقادر على أن يبدله بالخير الكثير، يقول تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 107].
لقد كانت هذه الآية تصنع العجائب معي في أصعب الظروف، فكلما مررتُ بظرف صعب تذكرتُ على الفور هذه الآية، واستيقنتُ بأن الحالة التي أعاني منها إنما هي بأمر من الله تعالى، وأن الله هو القادر على أن يحول الضرّ إلى خير، ولن يستطيع أحد أن يمنع عني الخير، فيطمئن قلبي وأتحول من حالة شديدة مليئة بالاكتئاب إلى حالة روحانية مليئة بالسرور والتفاؤل، وبخاصة عندما أعلم أن الظروف السيئة هي بتقدير الله تعالى، فأرضى بها لأنني أحبّ الله وأحبّ أي شيء يقدّره الله عليّ.
وسؤالي لك أخي الكريم: ألا ترضى أن يكون الله هو طبيبك وهو مصدر الخير وهو المتصرّف في حياتك كلها؟ فإذا ما عشتَ مع الله فهل تتخيل أن أحداً يستطيع أن يضرك والله معك!
علاج الإحباط
ما أكثر الأحداث والمشاكل التي تعصف بإنسان اليوم، فتجد أنواعاً من الإحباط تتسرّب إليه نتيجة عدم تحقق ما يطمح إليه. فالإحباط هو حالة يمر فيها الإنسان عندما يفشل في تحقيق عمل ما، في حال زاد الإحباط عن حدود معينة ينقلب إلى مرض صعب العلاج.
ولو بحثنا بين أساليب العلاج الحديثة نجد علاجاً يقترحه الدكتور "أنتوني روبينز" الذي يعتبر من أشهر المدربين في البرمجة اللغوية العصبية، حيث يؤكد هذا الباحث أن الحالة النفسية تؤثر على وضعية الجسم وحركاته ومظهره. ولذلك فإن الإنسان المصاب بدرجة ما من الإحباط تجد الحزن يظهر عليه وتجده يتنفس بصعوبة ويتحدث ببطء ويظهر عليه أيضاً الهمّ والضيق.
ولذلك يقترح روبينز أن تتظاهر بالفرح والسرور وستجد الفرح يغمرك شيئاً فشيئاً. بل إن أفضل حالة هي تلك التي تسلم نفسك لقدرها وتنسى همومك وتعيش في حالة من التأمل والروحانية، وهذا ما أمرنا القرآن به بقوله تعالى: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [لقمان: 22].
علاج الانفعالات
تخبرنا الإحصائيات أنه يموت أكثر من 300 ألف إنسان كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية فقط. وهؤلاء يموتون موتاً مفاجئاً بالجلطة القلبية. وتؤكد الأبحاث أن الغضب والانفعال هو السبب الرئيسي في الكثير من أمراض القلب وضغط الدم والتوتر النفسي.
ولكن كيف يقترح العلماء علاج هذه المشكلة التي هي من أصعب المشاكل التي يعاني منها كل إنسان تقريباً؟ إنهم يؤكدون على أهمية التأمل والاسترخاء ويؤكدون أحياناً على أهمية الابتعاد عن مصدر الغضب والانفعالات، وبعض الباحثين يرى أن علاج الغضب يكون بالتدريب على ألا تغضب!
ولكنني وجدتُ كتاب الله تعالى قد سبق هؤلاء العلماء إلى الحديث عن علاج لهذه المشكلة. فكل إنسان يغضب تتسرع دقات قلبه ويزداد ضغط الدم لديه، ولذلك يؤكد القرآن على أهمية أن تجعل قلبك مرتاحاً ومطمئناً وتبعد عنه أي قلق أو توتر أو تسرع في دقاته أو ازدياد في كمية الدم التي يضخها القلب. ولكن كيف نحصل على هذا الاطمئنان؟
إنه أمر بغاية السهولة، فمهما كنتَ منفعلاً أو غاضباً أو متوتراً يكفي أن تذكر الله وتستحضر عظمة الخالق تبارك وتعالى فتستصغر بذلك الشيء الذي انفعلت لأجله، ولذلك يقول تعالى عن صفة مهمة يجب أن يتحلى بها كل مؤمن: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].
علاج الخوف من المستقبل
هنالك مشكلة يعاني منها كل واحد منا تقريباً وهي الخوف من "المستقبل المادي" إن صحّ التعبير، وهي أن يخاف أحدنا أن يُفصل من وظيفته فيجد نفسه فجأة دون أي راتب أو مال. أو يخاف أحدنا أن يخسر ما لديه من أموال فينقلب من الغنى إلى الفقر، أو يخشى أحدنا أن تتناقص الأموال بين يديه بسبب ارتفاع الأسعار أو نقصان الرزق أو الخسارة في تجارة ما .... وهكذا.
إن هذه المشكلة يعاني منها الكثير، وقد كنتُ واحداً من هؤلاء، وأتذكر عندما يقترب موعد دفع أجور المنزل الذي كنتُ أقيم فيه ولا أجد أي مال معي، فكنتُ أعاني من قلق وخوف من المستقبل وكان هذا الأمر يشغل جزءاً كبيراً من وقتي فأخسر الكثير من الوقت في أمور لا أستفيد منها وهي التفكير بالمشكلة دون جدوى.
ولكن وبسبب قراءتي لكتاب الله وتذكّري لكثير من آياته التي تؤكد على أن الله هو من سيرزقني وهو من سيحلّ لي هذه المشكلة فكانت النتيجة أنه عندما يأتي موعد الدفع تأتيني بعض الأموال من طريق لم أكن أتوقعها فأجد المشكلة وقد حُلّت بل وأجد فائضاً من المال، فأحمد الله تعالى وأنقلب من الإحساس بالخوف من المستقبل إلى الإحساس بأنه لا توجد أي مشكلة مستقبلية لأن الله هو من سيرزقني فلم أعد أفكر كثيراً بالأسباب، لأن المسبب سبحانه وتعالى موجود.
وهكذا أصبح لدي الكثير من الوقت الفعّال لأستثمره في قراءة القرآن أو الاطلاع على جديد العلم أو الكتابة والتأليف. ولذلك أنصحك أخي القارئ كلما مررت بمشكلة من هذا النوع أن تتذكر قوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت: 60].
علاج حالات اليأس وفقدان الأمل
هنالك مشاكل يعتقد الكثير من الناس أنها غير قابلة للحل، وأهمها المشاكل الاقتصادية والمادية، وهذه المشاكل يعاني منها معظم الناس وتسبب الكثير من
الإحباط والتوتر والخوف من المستقبل. ولو سألنا أكبر علماء النفس والبرمجة اللغوية العصبية عن أفضل علاج لهذه المشكلة نجدهم يُجمعون على شيء واحد وهو الأمل!
إن فقدان الأمل يسبب الكثير من الأمراض أهمها الإحباط، بالإضافة إلى أن فقدان الأمل سيعطل أي نجاح محتمل أمامك. فكم من إنسان فشل عدة مرات ثم كانت هذه التجارب الفاشلة سبباً في تجربة ناجحة عوّضته عما سبق، لأنه لم يفقد الأمل من حل المشكلة.
وكم من إنسان عانى من الفقر طويلاً ولكنه بقي يعتقد بأن هذه المشكلة قابلة للحل، فتحقق الحل بالفعل وأصبح من الأغنياء بسبب أساسي وهو الأمل.
إن ما يتحدث عنه العلماء اليوم من ضرورة التمسك بالأمل وعدم اليأس هو ما حدثنا القرآن عنه بل وأمرنا به، والعجيب أن القرآن جعل من اليأس كفراً!! وذلك ليبعدنا عن أي يأس أو فقدان للأمل، ولذلك يقول سبحانه وتعالى: (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87].
قوة التغيير
منذ سنوات طويلة وأنا أحلم بأن أغير أشياء كثيرة في حياتي، ولكن المحاولات كانت
تبوء بالفشل، فأجد أن الأوضاع تبقى على حالها، وذلك حتى حدث شيء مهم قلب الأمور رأساً على عقب، إنه القرآن الكريم.
فقبل عشرين عاماً بدأتُ أتعلّق بهذا الكتاب العظيم – كتاب الله – وبدأتُ أكتشف أشياء مذهلة لم أكن أعلمها من قبل. وربما يكون الشيء الأهم الذي أحدَثَه القرآن هو إيقاظ قوة التغيير بداخلي، هذه القوة التي بقيت مختفية ونائمة حتى جاءت كلمات القرآن لتوقظها فتبدأ بممارسة نشاطها.
إنها قوة عملاقة تكمن في داخل كل منا، يمكن أن أسميها لك أخي القارئ "قوة التغيير". هذه القوة هي التي تجعل الإنسان غنياً وتجعل إنساناً آخر مبدعأً وتجعل بعض الناس قادة أو فنانين أو علماء. وسوف أحاول أن آخذكم معي في رحلة إلى الأعماق حيث تسكن هذه القوة فلا نراها، ولكن يمكننا أن نتسلل إليها ونستثمرها بالشكل الأمثل.
قوة التغيير في داخلك!
في البداية أود أن أخبركم بأن هذه القوة موجودة في كل واحد منا، وهي تنتظرك حتى توقظها من رقادها، لتستمتع بالحياة وتعيش وكأنك ولدتَ من جديد. ولكن هنالك بعض الحواجز التي تغلف هذه القوة وتمنعك من الوصول إليها، فما هو الحل؟
أولاً يجب أن تعلم بوجود قوة التغيير في أعماقك، وأن تثق ثقة مطلقة بأنك ستصل إلى هذه القوة. وتكون بذلك قد قطعت نصف الطريق نحو التغيير. ويمكنك الحصول على هذه الثقة بأن تقنع نفسك بأنك ستتغير لأن الله يطلب منك ذلك وأسرتك تطلب منك ذلك والحياة تطلب منك ذلك!
فالله تعالى يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11]. إذن هناك تغيير يجب أن يبدأ من داخل النفس، وسوف يؤدي ذلك إلى تغيير في الظروف المحيطة بك، وهذا الكلام كلام الله تعالى يجب أن نثق به.
لو تأملتَ كل شيء من حولك تجد أنه في حالة تغير دائم، الماء الذي تشربه، الطعام الذي تأكله، اللباس الذي تلبسه، حتى الناس من حولك يتغيرون، فلماذا تبقى على حالك، لابد من اتخاذ إجراء يضمن لك السعادة في الدنيا والآخرة.
أخي .. أختي ... في اللحظة التي تنوي فيها التغيير سوف تجد أن الله معك فهو القائل: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69]. تأمل معي هذه الآية كم تعطيك من قوة لتغير نفسك باتجاه الأفضل وبالاتجاه الذي يُرضي الله تعالى عنك، لأن الجهاد المقصود في الآية هو جهاد النفس وجهاد العلم وجهاد الدعوة إلى الله وجهاد الصبر على أذى الآخرين ... لأن هذه الآية نزلت في مكة ولم يكن الجهاد بالسيف قد فُرض، ولذلك هي تتحدث عن تغيير ينبغي عليك أن تقوم به في نفسك أولاً ثم في غيرك.
تقنيات التغيير الناجح
إن السبب الرئيس في أن كثيراً من الناس لا يتغيرون هو أنهم لم يدركوا شيئاً عن قوة التغيير في أعماقهم، ولذلك تجدهم يبقون على ما هم عليه، ويمكنني أن أخبرك سراً أخي القارئ وهو أن معظم الإبداعات التي حققتها في حياتي كانت بعد قراءة أسرار هذا التغيير وتطبيق تقنياته.
إذن هنالك تقنيات لابد من تعلمها بل وممارستها لتحصل على أعلى النتائج، فأهم شيء هو أن تعيد برمجة نفسك من جديد. فكل واحد منا تعود في حياته على برنامج محدد، وغالباً ما كان هذا البرنامج يتحكم في ماضينا وحاضرنا، ولكن هل يمكن أن نقوم بإعداد برنامج جديد نتحكم نحن من خلاله بمستقبلنا؟
أهم تقنية في التغيير هي أن تدرك أن هذا التغيير لن يحدث إلا بأمر من الله تعالى! وتأمل معي هذه الكلمات الإلهية الرائعة: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [يونس: 100]. فاطلب الإذن من الله تعالى في أن يهديك إلى أقصر طرق التغيير، فهو الذي خلقك وهو أعلم بما يصلحك، وهو أعلم بمستقبلك منك. عندما تفعل ذلك ستحسّ بقوة عظيمة تتولد في نفسك لأن الذي تلجأ إليه هو أعظم شيء على الإطلاق فأنت تستمد قوتك منه سبحانه وتعالى، فممن تخاف بعد ذلك؟
الشيء الثاني يجب عليك أن تستفيد من تجارب غيرك وأخطائهم، ويمكنك أن تمارس هذه التقنية بمراقبة تصرفات الآخرين ومدى فشل أو نجاح هذه التصرفات، أي أن تكسب خبرة من تجارب غيرك، وهذا هو الإنسان الذكي الذي يشبه التاجر الناجح لا يخسر شيئاً، بل تجده في حالة ربح دائم، فعليك أن تراقب جيداً وتحلل وتستخلص العبر.
حاول أن تتخذ القرار الصحيح، بالتوكل على الله فهو القائل: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159]. فمع هذا التوكل صدقني لن تتخذ قراراً واحداً خطأ، بل ستجد جميع قراراتك صحيحة، وتحقق لك النجاح، لأن الله تعالى هو من أرشدك إليها فالذي يعتمد على الله ويتوكل عليه يكفيه الله ويلهمه القرار الصحيح، فهو القائل: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3]، أي هو يكفيه ولا حاجة أن تعتمد على غيره!
إن اتخاذك للقرارات الصحيحة سيقوي ثقتك في نفسك أكثر وستشعر بالنجاح والقوة بعد كل قرار صحيح. ثم تحسّ بأنك بدأت تسيطر على حياتك شيئاً فشيئاً، وستشعر بأنك بدأتَ تسيطر على عملية التغيير وأنه بإمكانك أن تطور نفسك نحو الأفضل.
هنالك تقنية هامة جداً وهي أن تفكر طويلاً وتقارن بين ما سيكون وضعك عليه إذا ظللتَ على حالك، وكيف سيكون وضعك فيما لو تغيرت أو قررت التغيير! تقارن مثلاً بين الحياة التعيسة التي تعيشها وبين الحياة السعيدة التي سيمنحها لك التغيير!
إن هذه المقارنة ضرورية جداً لتعطيك دافعاً مهماً في التغيير، ونتذكر بأن القرآن مليء بالمقارنات، مثلاً يقول تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ؟) [الزمر: 9]. إن أسلوب المقارنة يثير في النفس البشرية حب التغيير نحو الأفضل، ولكن لا تستعجل التغيير فأهم تقنية في التغيير هي الصبر، واستمع معي إلى هذه الكلمات التي قالها موسى لقومه في أصعب الظروف التي مرت بهم: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128]. إذن التغيير قادم ولكن عليكم أن تلجأوا إلى الله وتستعينوا به وتتوكلوا عليه، وتصبروا، فإن الله سيعطيكم كل شيء ترغبون به.
من أسرار السعادة
هناك آيات تستحق التدبر والوقوف طويلاً، فالله تعالى أمرنا أن نعفو عمن أساء إلينا حتى ولو كان أقرب الناس إلينا، فما هو سر ذلك؟ ولماذا يأمرنا القرآن بالعفو دائماً ولو صدر من أزواجنا وأولادنا؟ يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التغابن: 14].
طبعاً كمؤمنين لابد أن نعتقد أن كل ما أمرنا به القرآن الكريم فيه النفع والخير، وكل ما نهانا عنه فيه الشر والضرر، فما هي فوائد العفو؟ وماذا وجد العلماء والمهتمين بسعادة الإنسان حديثاً من حقائق علمية حول ذلك؟
في كل يوم يتأكد العلماء من شيء جديد في رحلتهم لعلاج الأمراض المستعصية، وآخر هذه الاكتشافات ما وجده الباحثون من أسرار التسامح! فقد أدرك علماء النفس حديثاً أهمية الرضا عن النفس وعن الحياة وأهمية هذا الرضا في علاج الكثير من الاضطرابات النفسية، وفي دراسة نشرت على مجلة "دراسات السعادة" اتضح أن هناك علاقة وثيقة بين التسامح والمغفرة والعفو من جهة، وبين السعادة والرضا من جهة ثانية.
فقد جاؤوا بعدد من الأشخاص وقاموا بدراستهم دراسة دقيقة، درسوا واقعهم الاجتماعي ودرسوا ظروفهم المادية والمعنوية، ووجهوا إليهم العديد من الأسئلة التي تعطي بمجموعها مؤشراً على سعادة الإنسان في الحياة.
وكانت المفاجأة أن الأشخاص الأكثر سعادة هم الأكثر تسامحاً مع غيرهم! فقرروا بعد ذلك إجراء التجارب لاكتشاف العلاقة بين التسامح وبين أهم أمراض العصر مرض القلب، وكانت المفاجأة من جديد أن الأشخاص الذين تعودوا على العفو والتسامح وأن يصفحوا عمن أساء إليهم هم أقل الأشخاص انفعالاً.
وتبين بنتيجة هذه الدراسات أن هؤلاء المتسامحون لا يعانون من ضغط الدم، وعمل القلب لديهم فيه انتظام أكثر من غيرهم، ولديهم قدرة على الإبداع أكثر، وكذلك خلصت دراسات أخرى إلى أن التسامح يطيل العمر، فأطول الناس أعماراً هم أكثرهم تسامحاً ولكن لماذا؟
لقد كشفت هذه الدراسة أن الذي يعود نفسه على التسامح ومع مرور الزمن فإن أي موقف يتعرض له بعد ذلك لا يحدث له أي توتر نفسي أو ارتفاع في ضغط الدم مما يريح عضلة القلب في أداء عملها، كذلك يتجنب هذا المتسامح الكثير من الأحلام المزعجة والقلق والتوتر الذي يسببه التفكير المستمر بالانتقام ممن أساء إليه.
ويقول العلماء: إنك لأن تنسى موقفاً مزعجاً حدث لك أوفر بكثير من أن تضيع الوقت وتصرف طاقة كبيرة من دماغك للتفكير بالانتقام! وبالتالي فإن العفو يوفر على الإنسان الكثير من المتاعب، فإذا أردت أن تسُرَّ عدوك فكِّر بالانتقام منه، لأنك ستكون الخاسر الوحيد!!!
بينت الدراسات أن العفو والتسامح يخفف نسبة موت الخلايا العصبية في الدماغ، ولذلك تجد أدمغة الناس الذين تعودوا على التسامح وعلى المغفرة أكبر حجماً وأكثر فعالية، وهناك بعض الدراسات تؤكد أن التسامح يقوي جهاز المناعة لدى الإنسان، وبالتالي هو سلاح لعلاج الأمراض! وهكذا يا أحبتي ندرك لماذا أمرنا الله تعالى بالتسامح والعفو، حتى إن الله جعل العفو نفقة نتصدق بها على غيرنا! يقول تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 219]. وطلب منا أن نتفكر في فوائد هذا العفو، ولذلك ختم الآية بقوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) فتأمل!
بسبب الأهمية البالغة لموضوع التسامح والعفو فإن الله تبارك وتعالى قد سمى نفسه (العفوّ) يقول تعالى: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) [النساء: 149]. وقد وجد بعض علماء البرمجة اللغوية العصبية أن أفضل منهج لتربية الطفل السوي هو التسامح معه!! فكل تسامح هو بمثابة رسالة إيجابية يتلقاها الطفل، وبتكرارها يعود نفسه هو على التسامح أيضاً، وبالتالي يبتعد عن ظاهرة الانتقام المدمرة والتي للأسف يعاني منها اليوم معظم الشباب!
ولذلك فقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالطبع كل مؤمن رضي بالله رباً وبالنبي رسولاً، أمر بأخذ العفو، وكأن الله يريد أن يجعل العفو منهجاً لنا، نمارسه في كل لحظة، فنعفو عن أصدقاءنا الذين أساؤوا إلينا، نعفو عن زوجاتنا وأولادنا، نعفو عن طفل صغير أو شيخ كبير، نعفو عن إنسان غشنا أو خدعنا وآخر استهزأ بنا... لأن العفو والتسامح يبعدك عن الجاهلين ويوفر لك وقتك وجهدك، وهكذا يقول تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199].
ومن روائع القصص النبوي الشريف أن رجلاً لم يعمل في حياته حسنة قط!! تأملوا هذا الرجل ما هو مصيره؟ إلا أنه كان يتعامل مع الناس في تجارته فيقول لغلامه إذا بعثه لتحصيل الأموال: إذا وجدتَ معسراً فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عني، فلما مات تجاوز الله عنه وأدخله الجنة، سبحان الله! ما هذا الكرم الإلهي، هل أدركتم كم نحن غافلون عن أبواب الخير، وهل أدركتم كم من الثواب ينتظرنا مقابل قليل من التسامح؟
والآن أخي المؤمن، هل تقبل بنصيحة الله لك؟؟! إذا أردت أن يعفو الله عنك يوم القيامة فاعفُ عن البشر في الدنيا! يقول تعالى مخاطباً كل واحد منا: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور: 22].
الإحسان والسعادة
لفت انتباهي نص عظيم في كتاب الله تبارك وتعالى يؤكد على أهمية الإنفاق والتصدق بشيء من المال على الفقراء والمحتاجين، ويؤكد الله في هذا النص الكريم على أن الذي ينفق أمواله في سبيل الله لا يخاف ولا يحزن، أي تتحقق له السعادة! يقول تبارك وتعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 261-262].
وهكذا آيات كثيرة تربط بين الصدقة وبين سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، ولكن البحث الذي صدر حديثاً ونشرته مجلة العلوم يؤكد على هذه الحقيقة القرآنية!!! فقد جاء في هذا الخبر العلمي على موقع بي بي سي أن الباحثين وجدوا علاقة بين الإنفاق وبين السعادة، وقد أحببتُ أن أنقل لكم النص حرفياً من موقعه ونعلق على كل جزء منه بآية كريمة أو حديث شريف:
"يقول باحثون كنديون إن جني مبالغ طائلة من الأموال لا يجلب السعادة لإنسان، بل ما يعزز شعوره بالسعادة هو إنفاق المال على الآخرين. ويقول فريق الباحثين في جامعة بريتيش كولومبيا إن إنفاق أي مبلغ على الآخرين ولو كان خمسة دولارات فقط يبعث السعادة في النفس.
إنهم يؤكدون أن الإنفاق ضروري ولو كان بمبلغ زهيد، أليس هذا ما أكده الحبيب الأعظم عندما قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) أي بنصف تمرة!! أليس هذا ما أكده القرآن أيضاً بقوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق: 7].
ويضيف في البحث الذي نشر في مجلة "العلوم أو سينس" إن الموظفين الذين ينفقون جزءاً من الحوافز التي يحصلون عليها كانوا أكثر سعادة من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك. وأجرى الباحثون أولا دراسات على 630 شخصا طلب منهم أن يقدروا مبلغ سعادتهم، ودخلهم السنوي وتفصيلات بأوجه إنفاقهم أثناء الشهر بما في ذلك تسديد الفواتير وما يشترونه لأنفسهم أو للآخرين. وتقول البروفيسورة إليزابيث دان التي ترأست الفريق "أردنا أن نختبر نظريتنا بأن كيفية إنفاق الناس لأموالهم هو على الأقل على نفس القدر من الأهمية ككيفية كسبهم لهذه الأموال". وتضيف "بغض النظر عن حجم الدخل الذي يحصل عليه الفرد فإن أولئك الذين أنفقوا أموالا على آخرين كانوا أكثر سعادة من أولئك الذين أنفقوا أكثر على أنفسهم.
أحبتي! هذه نتائج أبحاثهم، وهذا ما أخبرنا به الله تعالى عندما ربط بين الإنفاق وبين التخلص من الخوف والحزن أي اكتساب السعادة: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 274]. ويقول عز وجل: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن: 60].
ثم قام الفريق بعد ذلك بتقييم مدى سعادة 16 من العاملين في إحدى المؤسسات في بوسطن قبل وبعد تلقيهم حوافز من حصيلة الأرباح، والتي تراوحت بين 3 آلاف دولار و8 آلاف دولار. وبدا من النتائج أن مقدار الحوافز ليس هو المهم بل أوجه إنفاقها. فأولئك الذي أنفقوا قسما أكبر من حوافزهم على الآخرين أو تبرعوا بها قالوا إنهم استفادوا منها أكثر من أولئك الذي أنفقوا حوافزهم على احتياجاتهم.
هذه النتيجة تجعلنا نعتقد أن الإنسان عندما ينفق المال فإنه لا يخسر ولا ينقص ماله بل يزيد!! أليس هذا ما أكده نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم عندما قال: (ما نقص مال من صدقة)؟ أي أنك مهما أنفقت من مالك فلن ينقص هذا المال بل سيزيد لأن هذا الإنفاق يعطيك شعوراً بالسعادة مما يتيح لك التفكير السليم في كيفية الحصول على المال بشكل أفضل!
ولذلك فإن الله قد تعهد أن يضاعف لك المال الذي تنفقه، يقول تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة: 245]. وربما قرأنا عن أغنى رجل في العالم "بيل غيتس" عندما قرر أن يتبرع بجزء كبير من ثروته يقدر بعشرات المليارات لأنه أحس أنه من الضروري أن يفعل ذلك ليحصل على السعادة!!!
وفي تجربة أخرى أعطى الباحثون كل فرد من مجموعة تتألف من 46 شخصا مبلغ 5 دولارات أو 20 دولارا وطلبوا منهم إنفاقها بحلول الساعة الخامسة من مساء ذلك اليوم. وطلب من نصف المشاركين إنفاق ما أعطوا على أنفسهم فيما طلب من الباقين إنفاقه على غيرهم.
قال الذين أنفقوا الأموال على غيرهم إنهم يشعرون بسعادة أكبر بنهاية اليوم من أولئك الذين أنفقوا الأموال على أنفسهم، بغض النظر عن قيمة المبلغ الذي أعطي لهم. وتقول دان: إن هذه الدراسة تعطي دليلا أوليا على أن كيفية إنفاق الناس لأموالهم قد تكون بنفس قدر أهمية كم يكسبون.
وهنا نتذكر نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام عندما تصدقت عائشة بشاة وأبقت له الكتف لأنه كان يحبه من الشاة الكتف، قالت له عائشة: ذهبت الشاة وبقي الكتف يا رسول الله، قال بل قولي: ذهب الكتف وبقيت الشاة!! فكان ما ينفقه أحب إليه مما يبقيه، وهذا سر من أسرار السعادة يكتشفه العلماء اليوم فقط!
ويؤكد الباحثون اليوم أن من أهم أسباب كسب المال أن تنفق شيئاً من المال على من يحتاجه! وهذا يعني أن الإنفاق هو سبب من أسباب الرزق! وهذا ما أكده القرآن عندما ربط بين الإنفاق وبين الرزق الكريم، يقول تعالى: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال: 3-4].
تقول البروفيسورة إليزابيث "قد يكون إنفاق المال على آخرين طريقا أشد فعالية لتحقيق السعادة من إنفاق المال على الشخص نفسه". ويقول الدكتور جورج فيلدمان أخصائي النفس في جامعة باكينغهام الجديدة "إن التبرع لأغراض الخير يجعلك تشعر أنك أفضل حالاً لأنك في مجموعة. إنه أيضا يجعل الناس ينظرون إليك باعتبارك مؤثراً للغير على النفس". ويضيف "فعلى الصعيد الشخصي إذا قدمت لك شيئا فهذا يقلل احتمال تعديك علي، ويزيد احتمال معاملتك لي بطريقة حسنة".
ويضعون نصيحة مختصرة يقولون: "النصيحة ألا تكنز الأموال" وهنا نتذكر التحذير الإلهي: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 34-35].
إن الله جل وعلا، فرض علينا الزكاة، لأنه يريد لنا السعادة، بل وحذر من كنز الأموال وعدم إنفاقها في أبواب الخير والعلم، وربما يا أحبتي يكون أفضل أنواع الإنفاق في هذا العصر أن ننفق على العلم النافع لتصحيح نظرة الغرب للإسلام، من خلال الإنفاق على الأبحاث القرآنية التي تهدف لإظهار عظمة هذا الدين وعظمة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم. وانظروا معي إلى هذه الآية الرائعة: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39].
العلاج بالرحمة
من وقت لآخر يخرج الغرب بنتائج جديدة بعد قيامه بتجارب مضنية، ونجد علماء الغرب يؤكدون على ضرورة تطبيق هذه الاكتشافات من أجل سعادة البشر. والعجيب يا أحبتي أنني كلما تأملتُ اكتشافاً علمياً فيه النفع والفائدة وجدت الإسلام قد سبقهم إليه بأربعة عشر قرناً!
ومن آخر ما وصلت إليه أبحاثهم وبعد ما فقدوا الحب والرحمة والعاطفة بسبب المادية المفرطة التي وصلوا إليها أنهم اكتشفوا أهمية "الرحمة" في سعادة الإنسان، وإمكانية تعلم الرحمة منذ الطفولة، وأنه ينبغي على الناس أن يعلموا أولادهم "الرحمة"، فكيف بدأت القصة؟
في بداية عام 2008 استخدم الباحثون تقنية المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي fMRI من أجل دراسة تأثير الرحمة لدى الإنسان على نظام المناعة لديه وعلى نظام عمل الدماغ. وقد كشف هذا الجهاز عن نشاط كبير يحدث في الجزء الأمامي من الدماغ الذي يلعب دوراً أساسياً في عاطفة الإنسان. وخرجوا بعدة نتائج سوف نلخصها لندرك يقيناً أن ديننا الحنيف قد أمرنا بهذه النتائج مسبقاً، بل هي جزء من عقيدتنا وإيماننا.
1- إذا أردت أن تكون سعيداً فما عليك إلا أن تتمنى السعادة للآخرين:
هذه القاعدة يؤكدها العلماء اليوم، فقد وجدوا بنتيجة أبحاثهم أن السعادة لا تتحقق بمجرد تحقيق رغبات الإنسان لنفسه، بل لابد أن يسعى في تحقيق رغبات غيره بما يحبه الآخرون، وأن الذي يسعد الآخرين يكون أكثر سعادة من الذي يهتم بنفسه فقط.
ويؤكد الباحثون على قاعدة ذهبية من أجل سعادة أكبر وعمر مديد، وهي أن تحب الخير للآخرين! فقد وجدوا بعد سؤال العديد من الناس أن الإنسان الذي يتمنى الخير لغيره هو أكثر سعادة من أولئك الذين تمنوا زوال النعمة عن غيرهم.
وقد لا نعجب عندما نعلم أن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم قد دعا إلى ذلك قبل قرون طويلة بل اعتبر إيمان المؤمن لا يكتمل إلا بتحقيق هذه القاعدة، عندما قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، سبحان الله! القاعدة التي وصلوا إليها ولم يستطيعوا تطبيقها هي جزء من إيماننا، ألسنا أولى منهم بتطبيق هذه القاعدة النبوية الشريفة؟
2- الرحمة تنشط نظام عمل الدماغ:
يؤكد العلماء الذين اهتموا بهذا البحث أن ممارسة رياضة "الرحمة" تفيد الدماغ وتنشط خلاياه بل وتحدث تغييراً في عدد الخلايا وشكل الدماغ والعمليات التي تتم فيه. وهذا يساعد على الشفاء من العديد من الأمراض، بمجرد أن تتعلم كيف ترحم الآخرين!
وأقول من جديد سبحان الله!! أليس هذا بالضبط هو ما أمرنا به النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم عندما قال: (من لا يرحم لا يُرحم)؟! فبقدر ما ترحم الآخرين وتعطف عليهم وتعفو عنهم بقدر ما يرحمك الله ويذهب عنك من الأمراض والشر ما لا يعلمه أحد إلا الله.
3- تعلم "الرحمة" يفيد في تقوية العلاقات الاجتماعية ويجعلك أكثر انسجاماً مع الآخرين:
أكدت الدراسة الجديدة التي أجريت مؤخراً أن ممارسة "الرحمة" تقوي النظام المناعي لدى الإنسان. فقد وجدوا أن الإنسان الرحيم يتمتع بنظام مناعي قوي ومقاومة أعلى للأمراض. فمن خلال إجراء التجربة على عدد كبير من المتبرعين تبين أن الإنسان الرحيم والذي يحب الخير لغيره ويعطف عليهم، فإن نسبة إصابته بالأمراض أقل من غيره.
وقد ربط العلماء هذه النتيجة بأبحاث أخرى تؤكد على ترابط السعادة مع طول العمر مع الرحمة، فكان الإنسان الأكثر سعادة هو الأكثر رحمة للآخرين، وهو الأكثر بعداً عن الأمراض وبخاصة أمراض القلب. وذلك لأن هذه الرحمة تجعلك أقرب من مجتمعك وأكثر ترابطاً وانسجاماً معه، وبالتالي فإن هذا ينعكس على استقرار عمل القلب.
وهنا نقول من جديد: أليس هذا ما نادى به نبي الرحمة عندما قال: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، والله لو رأى الغرب هذه التعاليم وعاشوا معها لكانوا أول من يعتنق الإسلام، ولكن قصرنا كثيراً في إيصال صوت الحق لهم، نسأل الله أن يهيء لهذه التعاليم من ينشرها ويبلغها لأناس هم بأشد الحاجة إليها.
4- ممارسة "الرحمة" يعالج الكآبة:
في هذه الدراسة وجد الباحثون أن الناس الرحماء هم أكثر الناس بعداً عن الاكتئاب والإحباط واليأس. ومن هنا ندرك أهمية قوله تعالى عن القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 57-58]. وانظروا كيف تكررت الرحمة مرتين، لتؤكد لنا أن الذي يرضى بالقرآن شفاء فإن رحمة الله ستكون وسيلة لسعادته وفرحه، فلا يحزن بعدها أبداً.
5- علماء الغرب: ينبغي علينا أن نعلم أطفالنا الرحمة:
بعد هذه التجارب دعا الباحثون إلى ضرورة أن نعلم الطفل الشفقة والرحمة والعطف، وقالوا بأن هذه الأشياء من السهل تعلمها وسوف تعطي فوائد كبيرة للمجتمع. ويقول الباحثون: إن تعليم الطفل الرحمة سيساهم بشكل كبير في تخفيف الجريمة والعدوانية التي أصبحت مرضاً لا سبيل لعلاجه. وملخص هذا البحث كما يقول الباحث ديفيدسون من جامعة Wisconsin-Madison إن هذه الوسيلة أي تعلم الرحمة، مهمة جداً لعلاج الأطفال وبخاصة أولئك الذين هم على أبواب الانحراف.
ونكرر من جديد ألم يطبق نبينا صلى الله عليه وسلم هذه الرحمة على أتم وجه؟ لقد ضرب لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الرحمة عندما عفا عن كفار قريش الذين أساؤوا إليه أشد الإساءة وذلك عندما عفا عنهم أثناء فتح مكة، كذلك ضرب النبي لنا أمثلة رائعة في رحمة الأطفال وحسن تربيتهم، فقد روى سيدنا أنس بن مالك أنه خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين لم يقل لشيء فعله لم فعلت كذا، أو لشيء لم يفعله لمَ لمْ تفعل كذا، هل بعد هذه الرحمة رحمة!
يؤكد العلماء أن الرحمة ينبغي أن يتعلمها الإنسان منذ أن يكون طفلاً لتقيه شر الانحرافات وسوف تساهم في بناء شخصية أكثر اعتدالاً، هذا ما وصلوا إليه بعد معاناة ومرارة وتجارب طويلة، ولكن الإسلام وفر علينا عناء البحث وأعطانا المعلومة جاهزة، ولكن للأسف نجد من يجحد ويستكبر ويعرض!
الرحمة هي أول صفة لله في كتابه
وربما ندرك بعد هذه الحقائق لماذا بدأ الله أول صفة له في كتابه باسمين هما (الرحمن الرحيم)، حتى إننا لا نقرأ القرآن إلا ونبدأ بهذه الآية العظيمة ولا نصلي ركعة إلا ونبدأ بها، ولا نأكل أو نشرب أو نفعل أي عمل إلا ونبدأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم).
لتبقى الرحمة في أذهاننا ليل نهار، فتصبح جزءاً من حياتنا، وهذا ما يفتقر إليه الغرب اليوم، حتى وجدوا أنه لابد من تعلم الرحمة من أجل حل مشكلاتهم.
يكفي أن نعلم أن اسم (الرحمن) قد تكرر في القرآن 57 مرة، واسم (الرحيم) قد تكرر 114 مرة أي الضعف، وصفة (رحيم) قد وردت مرة واحدة كصفة لخير الخلق رسول الله في قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].
ووردت صفة الرحمة في القرآن في أكثر من مئة آية، وكل هذا ليعلمنا الله تعالى "الرحمة" وليؤثر على نفوسنا بهذه التعاليم الرائعة.
ولذلك قال المؤرخون: لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من المسلمين!! فكانت الرحمة تتجلى في معاملاتهم وفي أخلاقهم وفي فتوحاتهم وفي رفقهم بالحيوان وفي كل حركة وفعل، والسبب يعود لتعاليم القرآن القوية. هذه التعاليم هي ما ينادي به الغرب اليوم!
ونقول لكل ملحد لا يؤمن بكتاب الله تعالى:
أنتم تعترفون بأنكم تتركون أمور الأخلاق والتشريعات والقوانين لأصحاب الاختصاص، وهاهم أصحاب الاختصاص يعودون لمبادئ القرآن، فلماذا تحاربون هذه المبادئ؟؟ انظروا معي إلى هذا النداء الإلهي المليء بالرحمة واختاروا أين تضعون أنفسكم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر]، فكروا للحظة واحدة واسألوا أنفسكم: هل يمكن لبشر أن يقول مثل هذا الكلام؟؟؟
قوة التأثر على الآخرين
هذا الموضوع شغل اهتمامي منذ سنوات طويلة، فكنتُ أبحث بين كتب علم النفس والتحليل النفسي عن الطرق الناجعة للتأثير على الآخرين إيجابياً، فمَن منا لا يتعامل مع الآخرين ويتمنى أن يترك أثراً حسناً في نفوسهم؟ ومن منّا من لا يتمنى أن يكتسب ثقة من حوله ويعطي انطباعاً إيجابياً عن شخصيته؟ ولكن ما هو السبيل لتحقيق ذلك؟
إخوتي في الله! لقد وجدت عدة تقنيات يمكن للإنسان أن يستخدمها في حياته اليومية وأثناء تعامله مع المجتمع المحيط به، وسوف يؤثر فيهم بشكل إيجابي ويكسب ثقتهم بل ومحبتهم. وهذه التقنيات طرحها الكاتب الأمريكي الأكثر شهرة ديل كارنيجي Dale Carnegie والذي يعتبر من أهم المؤلفين في القرن الماضي. هذه الأساليب طرحها بعد تجارب استمرت أكثر من ثلاثين عاماً.
والذي لفت انتباهي أن ما يطرحه الكاتب الأمريكي هو نفس ما يطرحه القرآن بالضبط!! فهو يقول في كتابه: كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس:
الأسلوب الأول: الابتعاد عن الجدال
إن أفضل طريقة لكسب الآخرين والتأثير عليهم أن تتجنب الجدال! وأن تحاول اختصار الحديث ما أمكن، لأن الجدال يضعف ثقة الآخرين بك وبالتالي يضعف قوة تأثيرك عليهم.
إن هذا الأسلوب طرحه القرآن منذ أربعة عشر قرناً في قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125]. وهنا نرى بأن القرآن لم ينهنا عن الجدال مطلقاً، بل أمرنا بالجدال الحسن، لأن الابتعاد عن الجدال أمر مستحيل عملياً، وهناك أشخاص إذا لم تناقشهم لا يمكن أن تكسب ثقتهم.
وهنا أعجب من أولئك المشككين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، لو كان كلامهم عن
نبي الرحمة صحيح فلماذا أمرنا بالمجادلة بالتي هي أحسن؟ ولماذا أمرنا بالموعظة الحسنة؟ إن التفسير الوحيد لوجود هذه التعاليم في القرآن هو أنه كتاب الله تعالى.
الأسلوب الثاني: تجنب الغضب والانفعال
يقول الكاتب الأمريكي: يجب أن يكون أسلوبك في علاج المشاكل قائماً على الرفق واللين والحكمة، وحاول أن تبتعد عن الانفعالات والغضب والتوتر، لأن الانفعال سيترك أثراً سلبياً على الآخرين وسيأخذون فكرة خاطئة عن شخصيتك.
وهنا نتذكر من جديد نصيحة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم لذلك الأعرابي والتي كررها مراراً: (لا تغضب … لا تغضب … لا تغضب ..)، ونتذكر قول الحق تبارك وتعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134]. سبحان الله! انظروا معي إلى أسلوب القرآن في تربية الشخصية المؤمنة، العفو عن الناس، وكظم الغيظ وعدم التسرع والانفعال، وكل ذلك يعطي تأثيراً إيجابياً وانطباعاً حسناً تتركه في قلوب وعقول من حولك!
الأسلوب الثالث: الكلمة الطيبة أكثر تأثيراً
من أهم الأساليب التي ينصح بها علماء النفس للتأثير على الآخرين الكلمة الطيبة، فلو أخطأ إنسان أمامك ليس من الضروري أن تقول له أخطأت، بل أن تنصحه بشكل غير مباشر، بحيث تنتقي الكلمات الحسنة في التعبير عن رأيك فيه، وهذه الطريقة ستترك أثراً رائعاً في نفوس من حولك.
وهنا نعود لكتاب الله تعالى عندما يقول: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة: 83]. ويقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم: 24-25].
ولذلك حاول عزيزي القارئ أن تختار أفضل الكلمات لتخاطب بها الآخرين، وأن تكون مستمعاً جيداً لهم، فلا تُكثر من الكلام بل حاول أن تستمع لأن هذا سيقلل من أخطائك وسيُظهرك بصورة حسنة أمام الآخرين، بل إن الإنسان يحب من يستمع إليه.
ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71]. وهذه الآيات تؤكد أن المؤمن يجب أن يضع الكلام في المكان المناسب، وإذا ما فعل ذلك سوف يصلح له الله أعماله، وسيكون هذا الأسلوب سبباً في النجاح في الدنيا والآخرة.
الأسلوب الرابع: لا تتمسّك بخطئك
يؤكد علماء النفس ومنهم كارنيجي أن الاعتراف بالخطأ فضيلة ويرفعك في أعين الناس، فلا تحاول أن تثبت صدق رأيك وأنت تعلم أنك مخطئ، بل حاول أن تكون مرناً في النقاش وأن تعترف بالخطأ، وهذا الأسلوب سيعطي انطباعاً لدى الآخرين بأنك صادق وهو ما يزيد من ثقتهم بك وتأثيرك عليهم.
إن هذا الأسلوب ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (كل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون) أي أن خير عمل تقوم به أن تعترف بخطئك أمام الله تعالى، وأن تتوب إليه، وكذلك تعتذر عما بدر منك لمن أسأت إليهم من الناس.
الأسلوب الخامس: الصدق أقصر طريق لكسب ثقة الآخرين
إننا نرى العالم الغربي اليوم يتميز بصدق المعاملة، ليس لأن دينهم يأمرهم بذلك، فهم في معظمهم بلا دين، بل لأنهم وجدوا أن الصدق هو أساس النجاح في الحياة. ولذلك يؤكد علماء النفس أن الطريق الأقصر لكسب الآخرين والتأثير عليهم هو الصدق في القول والعمل.
وهنا نتذكر قول الحق تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2-3]. ويقول أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119]. وهناك آية عظيمة وجدتُ فيها قوة غريبة لعلاج ظاهرة الكذب التي انتشرت اليوم بسرعة الضوء!
هذه الآية تخاطبنا وتقول لنا: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) [محمد: 21]، ولو أن كل إنسان حفظ هذه الكلمات الإلهية وتذكرها لحظة تعرضه لموقف من الممكن أن يكذب فيه، لكانت هذه الكلمات خير
علاج، وكانت سبباً في ابتعادنا عن الكذب، وهو ما يكسبنا احترام الآخرين وثقتهم والتأثير عليهم.
الأسلوب السادس: امتنع عن استخدام كلمة "لا"
إنها كلمة سلبية حاول الابتعاد عنها قدر الإمكان! فبدلاً من أن تقول لشخص لم فعلت كذا، أو تقول له لا تفعل كذا، استبدل هذه العبارة بعبارة إيجابية، وقل له: ما رأيك أن تفعل كذا!! أو عبارة: ألا ترى معي أن هذا الفعل أفضل؟
هذا الأسلوب اكتشفه علماء البرمجة الغوية العصبية في أولئك الناجحين وأصحاب الثروات والشهرة، حيث وجدوا أن أسلوبهم في التعامل مع الآخرين قائم على النصيحة وليس على تخطئة الآخرين وذمِّهم وتأنيبهم.
وهنا لا أجد خيراً من ذلك المثال الذي قدّمه لنا النبي الأعظم عندما خدمه أنس بن مالك عشر سنين، فلم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم عبارة (لم فعلت كذا) ولم يسمع عبارة تأنيب أو أي عبارة سلبية، بل كان نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام يستخدم العبارات الإيجابية في تعامله مع الآخرين، وهو ما ينبغي أن نقوم به.
الأسلوب السابع: التكبّر هو أسوأ صفة يتحلى بها الإنسان
يشبه علماء النفس التكبر بالحاجز السميك الذي يفصلك عن محبة وتقدير الآخرين لك، وبالتالي تؤثر فيهم سلبياً، وهناك أبحاث عديدة تؤكد على أهمية التواضع في كسب ثقة الآخرين، وأن تبتعد عن الطمع والحسد وغير ذلك من الصفات الذميمة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم سبق علماء النفس في إعطائنا أروع قاعدة لكسب محبة الآخرين عندما قال: (وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)، فتأملوا معي هذه الكلمات النبوية الشريفة لو أننا طبقناها لكانت العلاج لمعظم مشاكل العصر.
أما التكبر فقد نهانا الله عنه بشدة بقوله: (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) [النحل: 23]. ومن تواضع لله رفعه الله تعالى، وهذه التقنية في التعامل مع الآخرين تكسبك ثقتهم بقوة، لأن الإنسان قد فطره الله تعالى على حب الخير والتواضع والصدق ولذلك عندما تتبع هذه القواعد في تعاملك مع الآخرين إنما تخاطب أعماقهم وتخاطب الفطرة لديهم، وبالتالي ستؤثر عليهم تأثيراً إيجابياً، وهو ما نطمح إليه جميعاً.
أهمية السلوك الإيجابي
في مقالة نشرها موقع بي بي سي وجد الباحثون بجامعة تكساس أن السلوك الإيجابي يؤجل مراحل الشيخوخة. وأضاف الباحثون أن الأشخاص الذين ينظرون إلى الحياة بنظرة يملؤها الأمل تقل عندهم ظهور علامات الهرَم مقارنة بالمتشائمين. وقال الباحثون إن نتائج الدراسة التي نشرت في مجلة "سيكولوجي أند إدجينج"، تشير إلى أن العوامل النفسية بالإضافة إلى الجينات والصحة البدنية، تلعب مجتمعة دوراً في تحديد مدى سرعة بلوغ سنّ الشيخوخة.
وأجرى فريق البحث بجامعة تكساس تجارب على 1558 من كبار السن لبحث ما إذا كانت هناك علاقة بين الأحاسيس الإيجابية وبداية مرحلة الوهن. وفي بداية الدراسة قبل سبع سنوات كان جميع المتطوعين للمشاركة في الدراسة في صحة جيدة.
وقام الباحثون بقياس تطور أعراض الشيخوخة عند المشاركين من خلال قياس فقدانهم للوزن والجهد وسرعة السير وقوة قبضتهم. وتوصل الباحثون إلى أن المشاركين الذين يحملون رؤية إيجابية للحياة كانوا أقل عرضة لأعراض الوهن من غيرهم. وأكد الباحثون على الحاجة لإجراء مزيد من الأبحاث لتوضيح السبب في هذه العلاقة.
غير أن الباحثين تكهنوا بأن المشاعر الإيجابية قد تؤثر بشكل مباشر على الصحة عن طريق تغيير التوازن الكيميائي في الجسم. وربما كان السبب في هذه الصلة هو أن التوجه المتفائل يساعد في تعزيز صحة الإنسان من خلال ترجيح نجاح هؤلاء الأشخاص في
الحياة.
وهنا أود أن أتذكر معكم قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58]. فهذه الآية تخبرنا بأن المؤمن يفرح برحمة الله تعالى، هذا الفرح هو نوع من أنواع السلوك الإيجابي وهو نوع من أنواع التفاؤل الذي يمنح المؤمن السعادة وطول العمر ويزيد من مناعة جسده ضد الأمراض.
يقول الدكتور جلين أوستير رئيس فريق البحث: أعتقد أن هناك علاقة بين العقل والجسم حيث أن أفكارنا وسلوكنا ومشاعرنا تؤثر على الوظائف البدنية وعلى الصحة بشكل عام، إما عن طريق آليات مباشرة مثل وظائف جهاز المناعة، أو عن طريق آليات غير مباشرة مثل شبكات الدعم الاجتماعية.
وقد أشارت دراسة أخرى نشرت في المجلة نفسها إلى أن التوجه العقلي قد يؤثر في الأداء البدني. وفي هذه الدراسة طلب فريق البحث بجامعة نورث كارولاينا من 153 شخصا من مختلف الأعمار إجراء اختبارات على الذاكرة بعد أن سمعوا كلمات إيجابية وسلبية.
وتضمنت العبارات السلبية الاضطراب والعته والخرف، أما العبارات الإيجابية فتضمنت الإنجاز والنشاط والتميز. وأظهرت النتائج أن أداء الذاكرة عند المشاركين في الدراسة من البالغين كان ضعيفا بعد أن تعرضوا لعبارات سلبية.
وعلى النقيض كان هناك اختلاف كبير في أداء الذاكرة بين الشباب والبالغين الذين تعرضوا لعبارات إيجابية. وقال الباحثون إنه دراستهم تشير إلى أنه إذا تم التعامل مع كبار السن على أنهم أعضاء فاعلون في المجتمع فإنهم سيكونون كذلك. وقال توماس هيس رئيس الفريق العلمي: قد تكون هناك أسباب اجتماعية ذات تأثير قوي على أداء ذاكرة البالغين.
وهنا نتذكر حديثاً نبوياً رائعاً ومليئاً بالتعاليم الإيجابية، يقول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير). فهذا يحرِّض المؤمن على أن يكون قوياً ليس في جسده فقط بل في إيمانه وثقافته وأخلاقه وصبره.
والصبر هو سلوك إيجابي عظيم لم يدرك العلماء أهميته إلا حديثاً، ولكن الله تعالى جعل جزاء الصبر دخول الجنة بغير حساب، وانظروا معي إلى هذا الوعد الإلهي الرائع: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10].
كذلك فإن القرآن يخبرنا بأن المؤمن لا يحزن أبداً لأن الحزن سلوك سلبي، ولو تأملنا كلمة (تحزن) في القرآن وجدناها مسبوقة بكلمة (لا) دائماً، وهذا يدل على أن المؤمن لا يحزن. وانظروا معي إلى هذه الكلمات النبوية التي جاءت في أصعب الظروف التي مر بها النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم وهو في الغار، يقول تعالى: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40]. انظروا كيف علَّم النبي سيدنا أبا بكر رضي الله عنه ألا يحزن، والله إن هذا الكلام لا يصدر إلا من نبي صادق يعلم أنه مرسل من خالق الكون سبحانه وتعالى.
التفاؤل لزيادة العمر
وقد عثر فريق من العلماء على دليل يثبت ما للتفاؤل من محاسن على حياة المرء. فقد توصل فريق من علماء النفس الأمريكيين إلى أن الأشخاص المنشرحي البال المتفائلين في نظرتهم إلى التقدم في السن، يعيشون لمدة أطول من أقرانهم الذين يستبد القلق بهم.
الآن تأملوا معي هذه الآية، يقول تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]. إنها آية تحث المؤمن على السلوك الإيجابي في عدم الوهن وعدم الحزن، ويقول العلماء إن إحساس الإنسان بالوهن يضعف من جهاز المناعة لديه، كذلك شعور الإنسان بالحزن الدائم يسبب له الاضطرابات النفسية المختلفة.
وجاء في بحث أنجزه الفريق التابع لجامعة ييل في ولاية كونيكتيكات، أن الأشخاص الذين يتملكهم الخوف من الشيخوخة تظهر عليهم أعراض التقدم في السن بسرعة اكبر. ويضيف العلماء في البحث الذين نشروه في مجلة (بيرسوناليتي أند سوشيال سايكولوجي) إن من يتقبلون الأمر برحابة صدر يمكن أن يعيشوا سنوات أطول ممن يحاولون الكف عن التدخين أو يمارسون التمارين الرياضية.
إن المؤمن لا يخشى الشيخوخة، بل يحب لقاء الله، ولذلك قال تعالى: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت: 5]. والمؤمن يكون سعيداً لحظة الموت فلا يخاف ولا يحزن، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت: 30]. وتأملوا كم تحوي هذه الآيات من رسائل إيجابية للمؤمن تجعله يعيش فرحاً سعيداً، فلا يحزن ولا يخاف وبالتالي إن هذه الآيات تعالج القلق حيث تفشل وسائل علم النفس!
وقد تبين للباحثين الأمريكيين أن من لا يخيفهم تقدم قطار الحياة يعيشون في المتوسط سبع سنين ونصف أكثر من أولئك الذين يقضون وقتهم حسرة على ما مضى من أيامهم. كما أعرب الفريق الذي تقوده الدكتورة ريبيكا ليفي، عن اعتقادهم بأن التعامل السلبي مع عملية الشيخوخة يكون له تأثير مباشر على التشبث بالحياة.
وقال العلماء إن إيجابيات القبول بقانون الشيخوخة أكبر بكثير من العمليات ذات الطابع الفيزيولوجي كخفض ضغط الدم والكوليسترول الذين يعتقد أنهم يمنحان فرص حياة تبلغ أقصى درجاتها أربع سنوات إضافية.
وهذا يعني أن العامل النفسي أهم بكثير من العامل الفيزيولوجي، بمعنى آخر فإن التعاليم الإيجابية التي يتلقاها الإنسان ويمارسها لها أثر كبير على سعادته وطول عمره أكثر من تأثير الدواء والعناية الطبية! ولذلك فإن القرآن مليء بالتعاليم الإيجابية والتي لا يتسع لها هذا البحث، ولكن كمثال على ذلك نتأمل قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53]. إنها آية مفعمة بالرحمة، ومليئة بالتفاؤل وعدم اليأس، وهذا يذكرني بقصة سيدنا يعقوب بعدما فقد ابنيه يوسف وأخاه، فلم ييأس من رحمة الله، وانظروا كيف خاطب أبناءه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]. انظروا كيف اعتبر القرآن أن اليأس هو كفر بالله تعالى!! لماذا ليعطينا رسالة قوية بأن اليأس من رحمة الله محرم في الإسلام، وهذا ما مارسه المسلمون الأوائل فمنحهم القوة وفتحوا به الدنيا!
كما أن تأثير التعامل الإيجابي مع التقدم في السن يكون أوضح من عوامل أخرى كالحفاظ على خفة الوزن والامتناع عن التدخين وممارسة التمارين الرياضية- وهي عوامل يسود الاعتقاد بأنها يمكن أن تضيف في أقصى الأحوال ثلاث سنوات إلى حياة المرء.
وقد بنى الباحثون خلاصتهم على بحث شمل 660 متطوعاً تتراوح أعمارهم بين خمسين عاماً فما فوق. وقد قورنت معدلات الوفاة عند من شملهم البحث بكيفية إجابتهم على استطلاع للرأي أجري قبل 32 عاما. فقد سئل المستجوبون عن موافقتهم أو اعتراضهم على مجموعة من المقولات من قبيل "بقدر ما تصبح كبيراً في السن بقدر ما تصبح عديم الفائدة". ويقول فريق الدكتورة ليفي إن التشبث الأكيد بالحياة يفسر بشكل جزئي العلاقة بين التفكير الإيجابي وطول العمر.
غير أن هؤلاء الباحثين يشيرون إلى أن هذا ليس السبب الوحيد لذلك، فبرأيهم يلعب الإجهاد دوراً آخر في التأثير على القلب. وكان بحث سابق قد أظهر أن قلوب وشرايين المتشائمين من التقدم في السنّ لا تستجيب بشكل جيد للإجهاد والضغط.
ويقول الباحثون إنه من المحتمل أن التشبع بمواقف المجتمع السلبية من الشيخوخة قد يكون لها تأثير على المرء وفيه من دون أن يعلم بذلك. ويؤكد العلماء إن دراستهم تحمل رسالتين، أولاهما محبطة ومفادها أن النظرة السلبية للذات تقلل من احتمالات الحياة، والأخرى مشجّعة، وفحواها أن النظرة الإيجابية للذات يمكن أن تطيل العمر. ونبه العلماء في الوقت ذاته إلى أن تعامل المجتمعات الغربية بشكل غير إيجابي مع المتقدمين في السنّ يمكن أن يفاقم المشاكل.
ونستطيع أن نستنتج من هذه الدراسات ما يلي:
1- التفاؤل يزيد من مقاومة الجسم للأمراض ويمنح الإنسان السعادة في حياته. وهذا سلوك نبوي رائع، لأن سيدتنا عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن أخلاق النبي قالت، كان خُلُقُه القرآن)، فقد طبق القرآن تطبيقاً كاملاً ولذلك حصل على السعادة الحقيقية، ويجب علينا أن نقتدي به في سلوكنا فتكون أخلاقنا هي القرآن.
وعلى سبيل المثال هناك قاعدة إلهية رائعة للتعامل مع المصاعب والمشاكل اليومية، وحيث يعجز الطب النفسي عن إعطاء الرضا بالواقع نجد القرآن يمنحنا هذا الرضا، يقول تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة: 216]. فلو طبقنا هذه الآية زالت جميع المشاكل والهموم وما تسببه من قلق وخوف، لأن المؤمن يرضا بقضاء الله ولو كان الظاهر أن فيه الشر والسوء، ولكن الخير قد يكون بعد ذلك، فينتظر المؤمن هذا الخير فيكون قد حقق التفاؤل المطلوب وابتعد عن الحزن، وهذا علاج ناجع للقلق.
2- التفكير الإيجابي أهم وأكثر فاعلية في علاج الأمراض من العلاج الطبي! بل إن أطباء الدنيا فشلوا في منح الأمل أو السعادة لإنسان أشرف على الموت، ولكن تعاليم القرآن تمنحنا هذه السعادة مهما كانت الظروف. وانظروا معي إلى الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت، ماذا فعل؟ هل
حزن؟ هل كان يائساً ؟ هل كان قلقاً أو مكتئباً أو خائفاً؟ أبداً.
لقد قالت ابنته فاطمة رضي الله عنها: (واكرباه) فقال لها (لا كرب على أبيك بعد اليوم)!! انظروا إلى هذا التفاؤل، النبي لحظة الموت كان سعيداً وفرحاً بلقاء ربه، فماذا عنا نحن، هل نقتدي بهذا الرسول الرحيم؟
3- التعامل مع الواقع برضا نفس وقناعة يجعل الإنسان أكثر سعادة، والإنسان الذي يتذمر ولا يرضى بما قسم له من الرزق نجده أكثر تعاسة ويكون نظامه المناعي ضعيفاً. وهذا يفسر لماذا التفكير بالأمراض والخوف والحزن والتفكير السلبي، كل ذلك يزيد من احتمال الإصابة بالأمراض المزمنة! فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تفاؤلاً برحمة الله، وكان يحضّنا على التفاؤل والرضا وكان يقول: (رضيت بالله ربا وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً) فمن قالها كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة!
إن كل ما سبق تلخصه لنا آية عظيمة خاطب بها الله نبيه وليعلمنا كيف نسلك سلوكاً إيجابياً في حياتنا، يقول تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) [النحل: 127]. الصبر وعدم الحزن وعدم التذمر والضيق، كل هذا له نتيجة ولكن ما هي؟ هذا ما نجد الجواب عنه في الآية التالية: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل: 128]. فهل هناك أجمل من أن يكون الله معك دائماً؟!!
الضغط النفسي والصبر
تؤكد الدراسات الطبية والنفسية الأثر الكبير للضغوط النفسية التي يتعرض لها الإنسان على أداء جهازه المناعي، فقد كشفت دراسة نشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Science وأثبت فيها العلماء أن الخلايا المناعية لدى المرأة تتعرض للهرم المبكر إذا كانت تعاني من ضغوطات نفسية عالية.
هذه النتيجة تضيف بعداً جديداً لتأثيرات الضغط النفسي التي كانت تنحصر سابقاً في التأثيرات الفيزيولوجية، طالما أن هناك تأثيراً واضحاً على الجهاز المناعي الداخلي للجسم. وقد ركزت الدراسة على التيلوميرز Telomeres الموجودة في المورثات لخلايا مناعية محددة لدى 58 امرأة تتراوح أعمارهن مابين 20-50 سنة. ويقوم التيلوميرز بتغليف نهايات الكروموزومات والتقليل من إنتاج الخلايا التي تعد مقياساً للعمر، فعندما تصل إلى أصغر قيمة للخلايا تتوقف عن الإنتاج.
وقد خلصت الدراسة إلى أن التيلوميرات في الخلايا عند النساء المعرضات للانفعال أو الشد النفسي قلَّت نسبة الحياة عندهن 10 سنوات عن اللواتي لا يتعرضن لتلك الضغوطات. فالضغط النفسي المزمن يقصر من عمر خلايا الجسم، وأهمها الخلايا المناعية، كما تقول الباحثة إليسا إيبيا من جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو. وذكر الباحثون أن الآلية الحقيقية التي تربط بين العقل والخلايا مازالت مجهولة، وسيستمر الباحثون في العمل لمعرفة ما إذا كان هناك أنواع أخرى من الخلايا قد تتأثر بالشد النفسي.
الضغط النفسي والنوبة القلبية
قدمت دراسة جديدة دليلاً علمياً يؤيد أن الشدة النفسية العاطفية والجسدية الشديدتين، يمكن أن تحرضا على حدوث ألم في الصدر والأزمات القلبية لدى العديد من الأشخاص خاصة قليلي الحركة وممن لديهم عوامل الخطورة عالية. وقد راجع الباحثون دراسات عدة نشرت حول هذا الموضوع ووجدوا إثباتاً على أن الجهد الفيزيائي والشدة العاطفية والغضب والانفعال الشديد، كلها تحرض على ظهور تلك الأعراض مضافاً إليها توقف القلب المفاجئ لدى من ترتفع لديهم نسبة عوامل الخطورة. وقد تبدأ الأعراض خلال ساعة أو ساعتين من التعرض للانفعال، ويقول الباحثون إنهم بدأوا يفهمون الآليات التي يحدث فيها ذلك التحريض.
يضع الباحثون في هذه الدراسة التي نشرت في مجلة Psychosomatic Medicine تعريفاً للعامل المحرض على أنه عامل خارجي، ربما حالة نفسية، أو انفعال ما، قد ينجم عنه تبدلات تقود مباشرة إلى أزمة قلبية وغيرها. وتضمنت الدراسة مراجعة واسعة للعديد من الدراسات التي سبق ونشرت خلال الأعوام مابين 1970 و2004 حول المحرضات السلوكية والعاطفية، وأثبتت وجود حالات عديدة من الأمراض الواردة أعلاه تالية للكوارث الطبيعية والحروب والمناسبات الرياضية.
العوامل المحرضة الأخرى التي قد ترتبط بحدوث ألم صدري مفاجئ قد تشمل النشاط الجنسي، الإفراط في شرب الكحول، اضطرابات النوم، تناول وجبة دسمة، إلا أنها جميعها تحتاج إلى دراسات أوسع لإثباتها.
الضغط النفسي وسرطان الجلد
وجد الباحثون في دراسة أجريت على الحيوان، وتم نشر نتائجها في مجلة Journal of American Academy of Dermatology. أن تعرض الفئران للضغط النفسي، والأشعة فوق البنفسجية معاً، يؤدي لحدوث سرطان في الجلد، خلال نصف المدة الزمنية، التي يحدث بها، عند أولئك المعرضين للأشعة وحدها.
ويشير الباحثون إلى أنه في حال أظهرت دراسات إضافية نفس التأثيرات على الإنسان، أن برامج تقليل الشدة النفسية، مثل اليوغا، وتمارين التأمل، قد تساعد الأشخاص المعرضين لخطورة الإصابة بسرطان الجلد في الوقاية منها. وتساعد برامج تقليل الضغط النفسي العديد من الناس، ولكنها قد تكون أكثر أهمية لغيرهم ممن تكون نسبة خطورة الإصابة بسرطان الجلد لديهم أعلى، بحسب ما قاله فرانسيسكو توسك، الأستاذ المساعد في قسم أمراض الجلد، في مؤسسات جون هوبكنز الطبية.
وأجريت الدراسة على 40 فأراً، وظهرت الإصابة الأولى بالورم، في أحد الفئران المعرضين للشدة النفسية، والأشعة فوق البنفسجية، خلال ثمانية أسابيع فقط، أما الفئران المعرضة للأشعة فقط لم تصب بالورم إلا بعد مرور 13 أسبوعا على الأقل. وبعد مرور 21 أسبوعا على التعرض للعوامل المضرة، أصيب14 فأر من بين 40 بسرطان في الجلد، مقارنة مع اثنين من الفئران، غير المعرضة للشدة النفسية.
معظم سرطانات الجلد كانت من نوع الأورام الشائكة الخلايا، وهو نوع من الأورام الخبيثة غير الصباغية، ذات الاستعداد الكبير للانتشار إلى أقسام أخرى من الجسم. ويقول الباحثون، أنهم بصدد القيام باختبارات إضافية، لتقرير مدى تأثير التعرض للشدة النفسية، على تطور سرطانات الجلد لدى الإنسان.
وقال الدكتور توسك إن هناك دلائل كثيرة على وجود تأثيرات سلبية للضغط النفسي المزمن على جهازنا المناعي وأقسام أخرى من جسدنا، لكن للمساعدة على إيجاد استراتيجيات علاجية جيدة نحن بحاجة لفهم أفضل للآليات التي تؤثر فيها الشدة النفسية على حدوث تلك الأورام السرطانية.
الضغط النفسي وارتفاع الكولسترول
نشرت مؤخراً دراسة بيَّنت الصلة بين تغير نسبة الكولسترول في الدم، ومدى تأثر الفرد بالشدة النفسية، وطريقة تعامله معها .إذا تعرض شخص ما لضغط نفسي، واستسلم لتأثيرات الشدة عليه، فإن مستوى الكولسترول يتدهور ليزداد سوءاً خلال السنوات القليلة التالية، بالمقارنة مع الأشخاص الذين لم يتعرضوا لهذا النوع من الشدة.
الدراسة التي أشرف عليها أندرو ستبتو، من جامعة لندن، شملت 200 شخص من الجنسين في المرحلة المتوسطة من العمر، ولم يسبق لأحدهم أن تعرض لمشاكل قلبية أو ارتفاع في ضغط الدم. وتم أخذ عينات من دم كل منهم، مع تقييم مستوى الشدة النفسية لدى كل فرد. ومن بعدها تم تعريضهم لاختبارين نفسيين مختلفين، قيس بعدهما مباشرة مقدار الكولسترول في الدم، فظهرت زيادة عن المستوى الطبيعي له.
وعند تكرار المعايرة بعد ثلاث سنوات، كانت النتيجة معها أن ظهر نفس مستوى الارتفاع في الكولسترول لدى الجنسين بصورة متساوية، مع مراعاة بعض العوامل، مثل مؤشر حجم كتلة الجسم والتدخين والعلاج الهرموني وتناول الكحول.
يقول الباحث ستبتو في دراسته التي نشرت في العدد الاخير من مجلة Health Psychology إن تجاوب الكولسترول مع مستوى الشدة النفسية مخبرياً يعكس على الأغلب كيفية تفاعل الأشخاص مع التحديات التي يواجهونها في كل يوم. لذا كلما كان تفاعل الكولسترول للشدة أكبر تزداد الاستجابة للانفعالات النفسية اليومية. وتراكم هذه الاستجابات مع انفعالات الحياة المستمرة يؤدي إلى زيادة في نسبة الكولسترول أو الدهون عموما في السنوات الثلاث التالية.
وقال: لابد لنا أن نعرف أن تفاعل الشخص مع الجهد أو الشدة النفسية هو أحد الآليات التي قد ترفع من مستوى الكولسترول في الدم. واتضح أن للشدة النفسية أشكالاً عديدة، منها التعايش مع مرض مزمن، التقدم إلى وظيفة أو امتحان، التعافي من خسارة مالية، حساب المصروف اليومي، ويمكن أن تزداد تأثيراتها مع الزمن، علما أن تفاعل الأشخاص مع هذه الحالة يختلف من فرد لآخر.
وهكذا فإن العديد من الدراسات جميعها تؤكد على خطورة الضغوط النفسية وعدم علاجها والاستسلام لها، ومن هنا ربما ندرك لماذا كانت الآيات التي تتحدث عن الصبر كثيرة في القرآن الكريم، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الصابر الأول، وهو القدرة لنا في الصبر وعلاج الضغط النفسي.
ماذا عن المؤمن؟
المؤمن هو أبعد الناس عن الضغط النفسي، لماذا؟ لأن الله تعالى زوده بعلاج قوي ألا وهو الصبر، يقول تبارك وتعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران: 186]. فالملحد ينظر إلى الدنيا على أنها نهاية كل شيء، فلا حياة بعد الموت، وهذا ما يزيد من معاناته ويضاعف الضغوط النفسية التي يتعرض لها، لأنه لا يجد حلاً لمشاكله وهمومه.
بينما المؤمن نراه يصبر ابتغاء وجه الله، فهو يصبر ويعالج الضغوط النفسية بكل هدوء ورضا وسعادة، فتجده وهو في أشد حالات الضغط النفسي سعيداً راضياً بقضاء الله وقدره، ولذلك قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: (عجبت لحال المؤمن... إذا أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له).
ومن هنا ندرك أهمية الإيمان بالله تعالى، فقد توصل باحثون بريطانيون إلى أن الإيمان بالله يخفف من الشعور بالألم. وذكرت صحيفة دايلي مايل البريطانية أن أكاديميين في مركز أكسفورد للعلوم الذهنية في بريطانيا أجروا اختبارات على 12 كاثوليكياً و12 ملحداً لفحص تعاملهم مع الألم عبر تعريضهم للصدمات الكهربائية. وتبين أن الكاثوليكيين استطاعوا إعاقة الكثير من الألم الذي تسببت به الصدمات الكهربائية وكانوا قادرين على تنشيط جزء من الدماغ متعلق بالتحكم بالألم.
واكتشف الباحثون عبر مراقبتهم للجزء الأيمن من الدماغ أن الآليات العصبية المتعلقة بالتحكم بالألم كانت ناشطة.أما الملحدون فلم تشهد أدمغتهم أي نشاط يتعلق بالتحكم بمستويات الألم التي بقيت كما هي طوال فترة الاختبار.
فتأملوا كيف أن الإيمان بالله يمنح الإنسان الصبر والقدرة على التحمل، ولكن وللأسف معظم التجارب تجري على أناس غير مسلمين، ولكن لا بأس من التعريف بها، لأن الإسلام دين قوي جداً، وإذا كان المؤمن بالله من ديانات أخرى يستفيد من إيمانه فكيف بالمسلم الذي يتبع الدين الحق؟ لابد أن يكون تأثير الإيمان أقوى بمئة مرة، وكم تمنيت من علمائنا وأطبائنا أن يقوموا بتجارب مشابهة للتجارب التي يقوم بها الغرب، ولكن على أناس مسلمين!
وانظروا معي كيف أمرنا الله بالصبر وأكد لنا أنه معنا إذا صبرنا، يقول تعالى: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]. فهل هناك أجمل من أن يكون الله معك في كل لحظة؟ أليس هذا الشعور كافياً لعلاج أي ضغط نفسي مهما كان نوعه؟
وتأملوا معي هذا النص الرائع الذي يمنح المؤمن القوة والقدرة على علاج أكبر الضغوط النفسية مهما كان نوعها، مادامت النتيجة ستكون الجنة ورضا الله، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 22-24].
قوة التحكم بالغضب
الغضب من الصفات التي نهى عنها النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم، وكلنا يذكر قصة ذلك الأعرابي الذي جاء ليأخذ النصيحة من الرسول فأمره ألا يغضب فقال زدني قال لا تغضب فقال زدني قال لا تغضب... ولا زال النبي يكرر هذا الأمر حتى انتهى الأعرابي عن السؤال. وسؤالنا: لماذا كل هذا الاهتمام النبوي بموضوع الغضب، وما هي آثاره الخطيرة، وما هي وسائل العلاج؟ هذا هو موضوع بحثنا.
وقد فضّلتُ أن أضع نتائج الدراسات العلمية كما وردت على موقع بي بي سي حرفياً، والسبب في ذلك أن بعض الملحدين والمشككين يطلبون المرجع العلمي دائماً ويشككون في الحقائق العلمية التي نذكرها في أبحاث الإعجاز العلمي. وأفضل طريقة لدرء هذه الانتقادات أن نأتي بأقوال علماء الغرب من على مواقعهم ومن دون أن نعدل عليها شيئاً.
الغضب الإيجابي!
فقد جاء في دراسة أجراها بنك المعلومات "كاهوت" على شبكة الإنترنت أن فقدان الأعصاب يكلّف الاقتصاد البريطاني 16 مليار جنيه إسترليني في العام. وتقول الدراسة إن من يفقدون أعصابهم يحطمون أكثر ما يحطمون الأدوات الفخارية والكؤوس. وتقول الدراسة إن الرجال يفقدون أعصابهم أكثر من النساء. وقال 20 بالمئة من عينة بلغت 700 شخص أجريت عليهم الدراسة إن الازدحام في الشوارع يدفعهم إلى الغضب. ولكن أكثر من النصف قالوا إن الانتظار على الهاتف يدفعهم إلى الغضب. وإن ربع الأشخاص الذين أجريت عليهم الدراسة يعرفون كيف يعبرون عن غضبهم بطريقة إيجابية.
وتقول "دونا دوسون" المتخصصة في علم النفس: إن الغضب شيء معقد جداً. وسببه في أكثر الأحيان هو الخوف من الخسارة، أو الخوف من الإصابة، أو حتى الخوف من خيبة الأمل. إنهم يعلموننا أن الغضب عاطفة سلبية، ولكنه في الواقع عاطفة إيجابية ومفيدة، ولكن الأمر يعتمد على الطريقة التي نعبّر بها عنه. فمن الأفضل بطبيعة الحال أن نعبّر عن العواطف وألا نكبتها في أجسامنا وعقولنا. ولكن يجب أن نحرص على أن نعبر عن الغضب بطريقة إيجابية وان نحولها إلى فعل يغير المواقف. إن الغضب السلبي يؤدي إلى إفراز هرمونات تضعف نظام المناعة بتدمير خلايا المناعة الرئيسية.
كيف عالج النبي غضب الأعرابي؟
وهنا نتذكر كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغضب إلا في حالة واحدة وهي أن تُنتهك حرمة من حرمات الله، أي أن غضب النبي كان موجهاً في اتجاه محدد وهو الحفاظ على الحدود والحرمات، وهذا يضمن سلامة المجتمع وأمنه. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتميز بأسلوب تعليمي فيستغل المواقف التي يغضب فيها الإنسان العادي ليعطينا العبرة والموعظة.
وربما نذكر قصة ذلك الأعرابي الذي جاء غاضباً إلى النبي وكلمه بلهجة شديدة بل وجذبه إليه وصرخ في وجهه قائلاً يا محمد أعطني مما أعطاك الله... فغضب أصحاب النبي غضباً شديداً وهمّوا بقتل الأعرابي، ولكن النبي الرحيم قال لهم: خلّوا بيني وبينه...
لقد عرف المرض وعرف العلاج، الأعرابي يغضب والصحابة يغضبون ولكن النبي بكل هدوء يعالج الموقف ويعطينا درساً في علاج الغضب. ويأمر النبي ذلك الأعرابي أن يأخذ ما يشاء من بيت المال، وعند هذه اللحظة يدرك الأعرابي كرم محمد وأنه ليس رجلاً عادياً بل هو نبي مرسل، وهنا يعتذر للنبي ويعلن إسلامه...
وهنا تأملوا معي كيف يستغل النبي هذا الموقف ليعلم أصحابه – انظروا إلى البرمجة الإيجابية في أسلوب خير البشر، يقول لهم لو تركتكم تقتلوه لمات كافراً... ولكن هذا الأعرابي ذهب فجاء بقبيلته وكلها قد أعلنت إسلامها!!! بالله عليكم هل هذا نبي العنف أم نبي الرحمة؟
الغضب يضعف جهاز المناعة
ومواصفاتها وخصالها قد يكون لها جميعاً نفوذ على قدرة جهاز المناعة في الجسم على مواجهة المرض والتخلص منه. وتقول الدكتورة "آنا مارشلاند" من جامعة بيتسبره الأمريكية إن ذوي المعدلات العالية من التنبه العصبي (نيوروتيسيزم) قد لا يتمتعون بجهاز مناعة قوي بما فيه الكفاية.
فقد قام باحثون في كلية الطب بجامعة بيتسبره تحت إشراف الدكتورة مارشلاند، بفحص ردود فعل أكثر من ثمانين متطوعاً حقنوا بلقاح لمعالجة مرض التهاب الكبد الوبائي، وهو مرض فيروسي، واللقاح ينشّط جهاز المناعة في الجسم من خلال تعريضه لكمية صغيرة جداً من الفيروس، كما أُدخل المتطوعون في اختبار لقياس طبيعة شخصياتهم ودرجة تنبهها العصبي.
وتبين للعلماء أن من لديهم درجات عالية من التنبه العصبي يميلون إلى التقلبات المزاجية الشديدة، وإلى التعصب الكثير، كما تسهل استثارتهم وتعريضهم للضغط والاضطراب النفسي والإجهاد العصبي. وظهر أن المتطوعين من ذوي التنبه العصبي العالي يميلون أيضاً إلى تسجيل استجابات أقل من حيث جودة الأداء للقاح مرض التهاب الكبد الوبائي مقارنة بنظرائهم الذين لهم معدلات طبيعية من التنبه العصبي. وربما تفسر هذه النتائج ما خلصت إليه دراسات سابقة من أن ذوي التنبه العصبي العالي أكثر عرضة من غيرهم لمشاكل الأمراض وتعقيداتها.
وتقول الدكتورة مارشلاند إن نتائج الدراسة تدعم الفكرة القائلة بأن ذوي التنبه العصبي العالي يتمتعون بجهاز مناعة أقل كفاءة من غيرهم، مما يعرضهم أكثر من غيرهم للأمراض وأعراضها. وكانت دراسة سابقة أجريت في أوهايو بالولايات المتحدة، قد وجدت أن قوة تأثير اللقاحات والعقاقير الطبية المضادة لذات الرئة تقل عند من يعانون من الضغوط العصبية، وهو ما يؤيد النتائج الجديدة. كما ذكرت دراسة أوهايو أنه للضغط النفسي والقلق تأثير مباشر على حجم الهرمونات في الجسم، ومنها الكورتيزول الذي له تأثير فعال على أداء جهاز المناعة.
عدم التحكم بالغضب يؤدي إلى الوزن الزائد ومشاكل صحية
أفادت دراسة جديدة بأن عدم قدرة المراهق على التحكم في الغضب قد يسبب له مشكلات صحية في المستقبل. وخلصت الدراسة إلى أن المراهقين الذين يعانون من مشكلات في التحكم في غضبهم يكونون أكثر عرضة لزيادة الوزن. وقال العلماء في الاجتماع السنوي لجمعية القلب الأمريكية في سان فرانسيسكو إن المراهقين الذين يكتمون شعورهم بالغضب يتعرضون لخطر السمنة أو زيادة الوزن وهو ما قد يؤدي إلى تعرضهم لأمراض مثل مرض القلب أو السكري.
وقام أطباء من مركز علوم القلب في جامعة تكساس بدراسة 160 مراهق تتراوح أعمارهم ما بين 14 و 17 عاماً على مدى ثلاث سنوات. واستخدم الأطباء اختبارات نفسية لمعرفة كيفية استجابتهم للغضب. ووجد الأطباء أن المراهقين الذين يمكنهم التحكم في غضبهم والتصرف بشكل مناسب عند الغضب يكونون أقل عرضة لزيادة الوزن. أما من يعانون من مشكلات في التعامل مع الغضب سواء بكبت مشاعرهم أو فقدان أعصابهم فهم الأكثر عرضة لزيادة الوزن.
يقول البروفيسور "ويليام مولر" الذي قاد فريق البحث في الدراسة: ترتبط السمنة بالطرق غير الصحية في التعبير عن الغضب. فمشكلات التعبير عن الغضب يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في الأكل وزيادة الوزن وهو ما قد يؤدي بدوره إلى الإصابة بمرض القلب في سن مبكرة. إن الأمر لا يقتصر فقط على مجرد الأكل والتمرينات، ولكن يجب علينا أن ننتبه إلى الجانب الاجتماعي.
ويؤكد الدكتور "مايك فيشر" من الجمعية البريطانية للتحكم في الغضب إن العديد من المراهقين لديهم مشكلات تتعلق بالتحكم في الغضب. إن نحو 50 بالمئة من المكالمات التي نستقبلها هي لآباء يعربون عن مخاوفهم بشأن أطفالهم.
للغضب أنواع خفية يُصاب بها الملايين!
تقول دراسة نشرت حديثا في الولايات المتحدة إن مرضا يسمى عرض الانفعال المتقطع (آي إي دي) قد يكون السبب وراء قيام بعض الأشخاص بإظهار انفعالات فجائية عنيفة وغير مبررة. وتضيف الدراسة إن ما يقارب 10 مليون أمريكي يعانون من هذا المرض الذي طالما استُبعد عند محاولة تشخيص مثل تلك الانفعالات.
وتقول الدراسة إن 4% من سكان أمريكا يعانون من درجة حادة من "آي إي دي"، مما سبب لكل منهم مابين 3 إلى 4 انفعالات عصبية مشابهة خلال عام واحد. ولهذا المرض تعريف دقيق في مراجع الطب النفسي، ولكن يجهل العلماء حتى الآن مدى انتشاره بين بني الإنسان.
ويمكن للطبيب أن يقرر إذا ما كنت مصاباً بهذا المرض إذا تكرر قيامك بانفعالات غاضبة وعنيفة لأسباب لا تبدو ذات أهمية تستحق، ولعدة مرات. وعادة ما يفقد المصاب بهذا المرض تمالكه لأعصابه فجأة ويقوم بتدمير شيء ما، أو يعتدي أو يهدد بالاعتداء على أي شخص.
وأجرى باحثون من كليات الطب في جامعتي هارفارد وشيكاغو الأمريكيتين مسحاً مباشراً على عينة مكونة من 9282 شخص راشد خلال عامي 2001 و2003. وتوصلوا إلى أن 7.3% من عينة البحث مصابون بمرض "آي إي دي". وقدروا عدد المصابين بثمانية ملايين شخص في الولايات المتحدة لوحدها، وهو رقم أعلى بكثير من التقديرات السابقة. وتبدأ أعراض الإصابة بالمرض منذ سن الـ14 عاماً.
ويقول الدكتور "رونالد كيسلر" وهو قائد المجموعة التي أجرت البحث، إن ""آي إي دي" ليس معروفاً بين العامة كمرض، ولكن حجم الأرقام التي أشارت لها الدراسة يجعل من الضروري أن يقدر المرضى والأطباء على حد سواء حجم انتشار المرض وأن يسعوا لتطوير استراتجيات لعلاجه.
ويوضح زميله الدكتور "إيميل كوكارو" أن العامة ينظرون للانفعالات الحادة المرتبطة بهذا المرض على أنها مجرد سوء سلوك، وبالتالي فهم لا يعيرونها اهتماماً كمرض له أسباب جينية وفسيولوجية ويمكن علاجه. ويرى العلماء أن من الضروري تطبيق سياسات وقائية وتوفير العلاج المبكر مما قد يفيد في مساعدة الأشخاص على تجنب مشاكل لها ارتباط بالمرض مثل الإدمان على الكحول أو المخدرات أو الإصابة بالاكتئاب.
الغضب يسرع الإصابة بالسكتة القلبية
قال علماء أمريكيون إن المزاج السيئ لدى الشباب الذكور قد يؤدي إلى الإصابة بمرض القلب في وقت مبكر في الحياة. جاء ذلك في نتائج دراسة توصلت إلى أن الشباب الذكور الذين ينتابهم الغضب عند التعرض للتعب والإرهاق العصبي أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب من غيرهم بنسبة تبلغ ثلاث مرات. وبينت الدراسة أن الشباب الغاضبين أكثر عرضة للإصابة المبكرة بالسكتة القلبية من أقرانهم الهادئين بنسبة تصل إلى خمس مرات، حتى لو كانوا ينحدرون من عائلات يخلو تاريخها من أمراض القلب.
وتؤكد الدكتورة "باتريشيا تشانج" التي قامت بالإشراف على جزء من البحث الذي تم إعداده في الولايات المتحدة أن عدداً من الشباب عبَّر عن غضبه، بينما تمكَّن عدد آخر من إخفائه، ولكن عدداً كبيراً من المشاركين كانوا سريعي الغضب وتنتابهم نوبات متكررة من التذمر. إن الدراسة بيَّنت أن المزاج السيئ يتنبأ بالأمراض قبل ظهور أعراضها مثل مرض السكري وضغط الدم.
وأكدت أن "أفضل شيء يستطيع الرجال الشباب الغاضبون عمله هو مراجعة أخصائيين لتعلم طرق السيطرة على الغضب، وبخاصة أن دراسات سابقة بيّنت أن الأشخاص المصابين بمرض القلب يسجلون تحسناً في صحتهم حين يتعلمون كيف يسيطرون على غضبهم. واستخدمت الدكتورة تشانج وزملاؤها في دراستها معلومات حول نحو 1300 طالب كانوا يدرسون في معاهد جون هوبكنز الطبية بين عامي 1948 و 1964.
وقالت الدكتورة تشانج إنه بالرغم من أنه لا يعرف بعد كيف يسبب الغضب أمراض القلب، فإن الأدلة تشير إلى أن الإرهاق يطلق كميات مفرطة من هرمونات تعرف باسم كاجولامينيس، منها الأدرنالين، الذي يتكون بشكل طبيعي في الجسم وينقل عادة الإيعازات. وتهيئ هذه الهرمونات الجسم في حالات الطوارئ مثل الإصابة بالزكام، أو الإرهاق العصبي أو الصدمة وذلك بتقليص جدران الأوعية الدموية والضغط على القلب للعمل أكثر لضخ كميات إضافية من الدم.
دراسة علمية تؤكد أن الغضب قد يقصر العمر
تقول دراسة إن الإحساس بالغضب الشديد خطر قد يهدد حياة من لهم قابلية للإصابة بمشاكل القلب ويعانون عدم انتظام نبضاته. فقد قامت د. راشيل لامبرت من جامعة "ييل"، بولاية كونتيكت، وفريق البحث، بدراسة 62 مصاباً بأمراض القلب وآخرين زرعت لهم أجهزة متابعة لكهرباء القلب تستطيع رصد الاضطرابات الخطرة وإعطاء صدمة كهربية لإعادة ضربات القلب إلى نمطها الطبيعي، في حالة عدم انتظامها.
وقد أظهرت دراسات أخرى أن الهزات الأرضية، والحروب وحتى مباريات كرة القدم قد ترفع معدلات الوفاة بالسكتة القلبية، والتي يتوقف فيها القلب عن ضخ الدم. وحول الدراسة، التي نشرت في دورية "كلية أمراض القلب الأمريكية"، قالت لامبرت: قطعاً عندما نضع مجموعة كاملة من السكان تحت ضغوط متزايدة فإن حالات الموت المفاجئ ستتزايد. بدأت دراستنا في النظر حول التأثير الحقيقي لهذا على النظام الكهربائي للقلب.
وقام المرضى المشاركون في الدراسة بتذكر مشهد أثار غضبهم مؤخراً، فيما عكف الباحثون على قياس عدم الاستقرار الكهربي في القلب. وقالت لامبرت إن الفريق تعمد إثارة غضب المرضى، وقد وجدنا أن الغضب زاد من اضطراب كهرباء القلب لدى هؤلاء المرضى. والذين تعرضوا لأعلى مستوى من الاضطراب في كهرباء القلب جراء الغضب، ارتفعت احتمالات إصابتهم بعدم انتظام نبضات القلب، أثناء فترة المتابعة، بعشرة أضعاف ما أصاب الآخرين. وتابع العلماء المرضى لثلاثة أعوام لتحديد أي منهم تعرض لاحقا لسكتة قلبية واحتاج إلى صدمة من أجهزة متابعة نظام كهرباء القلب.
من هنا نتذكر عندما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أوصني، قال: (لا تغضب) فردد مراراً قال: (لا تغضب) [رواه البخاري]. فلا أحد يشكك بمخاطر الغضب وتأثيراته على القلب والدماغ والحالة النفسية للإنسان، وفي زمن الجاهلية كان الغضب صفة الأقوياء وهي صفة محمودة لديهم تسمى (حميَّة الجاهلية)، وقد نهى النبي عن الغضب، بل كان لا يغضب إلا في حالة واحدة، وهذا ما أسميه الغضب الإيجابي وهو الغضب من أجل الله تعالى.
فقد كان النبي لا يغضب على أمر من أمور الدنيا إلا أن تُنتهك حرمة من حرمات الله فلا يتساهل أبداً مع هذه القضية، وهذا النوع من الغضب لا يضر الإنسان لأن الله تعالى سيكون معك ويهيئ لك أسباب الصحة والعافية، فالإنسان الذي يبتعد عن الفواحش وعن شرب الخمر وعن التدخين وغير ذلك مما يغضب الله، ويغضب لغضب الله، فإنه بلا شك سيكون بصحة أفضل ويكون بحالة نفسية أكثر استقراراً، نسأل الله تعالى أن يرزقنا الصبر.
فالنبي يقول: (ما أعطى الله للمرء عطاءً أوسع من الصبر)، وأن نكون من الذين قال الله في حقهم: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 133-136].
الغضب والمغفرة
انظروا معي كيف عالج القرآن ظاهرة الغضب الفتاكة، يقول تعالى عن صفات المتقين الذين استجابوا لربهم: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورى: 37]. فالمغفرة هي أفضل علاج للغضب، وأقول عزيزي القارئ هل فكَّرت يوماً أن تعالج انفعالاتك السلبية بأن تغفر لمن أساء إليك، وتعتبر أن الله سيرضى عنك ويعوضك خيراً من الانتقام بالجنة!!
إذاً انظر إلى هؤلاء الذين صبروا لربهم ماذا تكون عاقبتهم، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 22-24].
وانظروا معي إلى هذا العلاج الرائع: (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ)! أين هم علماء البرمجة اللغوية العصبية الذين يدعون أنهم وضعوا أساساً علمياً لعلاج الانفعالات، أليس ما جاء به القرآن قبل أربعة عشر قرناً هو ما ينادي به علماء النفس اليوم، وذلك عندما يقولون إن أفضل طريقة لعلاج الانفعالات والغضب أن تفكر بالجانب الإيجابي وتتسامح؟
آيات كثيرة تؤكد هذه القاعدة، يقول تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34]. انظروا كيف يريد الله منا أن نحول المشاعر السلبية إلى مشاعر إيجابية، وكيف تتحول العداوة إلى صداقة! هذه هي قواعد علم النفس الحديث، ولكنهم يسمونها بأسماء حديثة مثل: كيف تكسب الأصدقاء، أو كيف تكسب ثقة الآخرين، أو كيف تتحكم بالذات... وغير ذلك، وجميع ذلك جاء في كتاب الله تعالى.
العلاج بالصبر
مما سبق من دراسات رأينا كيف يؤكد الباحثون أن معظم حالات الغضب تأتي بسبب عدم وجود البديل المناسب، أو عدم وجود حل للمشكلة، أو عدم وجود شيء يستحق التسامح، وقد فشل علماء النفس في إيجاد بديل مناسب للغضب، إلا في حالة واحدة أن يحذروا الشخص الغاضب من مساوئ الغضب الطبية مثل أمراض القلب وضعف المناعة والوزن الزائد. وعلى الرغم من ذلك لا يجدون استجابة من قبل المرضى لنداءاتهم، فما هو الحل؟
لقد أعطانا القرآن الحل وهو بالصبر، ولكن الصبر من أجل ماذا ولمن نصبر وما هي المكافأة التي سنحصل عليها، وهل تستحق منا أن نكبت الغضب والانفعالات؟ يقول تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى: 40]. فهل هناك أجمل من هذه العبارة: (فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)! ماذا ستستفيد من غضبك... بالطبع لا شيء، ولكن البديل موجود وهو الأجر من الله تعالى هو سيعوضك عن كل شيء.
ولكن هل يكفي الصبر كعلاج ناجع؟ إذا ترافق الصبر مع المغفرة سيكون العلاج فعالاً جداً، ولذلك قال تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى: 43]، والرائع في هذه الآيات أن الله تعالى يصوّر لنا النتيجة التي سنحصل عليها مسبقاً، مثلاً يقول تعالى: (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان: 12]، إن أجمل شيء أن الله سيكون معك عندما تصبر على من أساء إليك، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153].
هذه الآيات تصور لنا النتائج الإيجابية للصبر، وهو ما يؤكده علماء النفس عندما يقولون إن أسرع طريقة لعلاج الغضب أن تتصور النتائج السلبية للغضب، وتتصور النتائج الإيجابية فيما لو لم تغضب وتتسامح. ولذلك قال تعالى: (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النساء: 25]. ويقول أيضاً: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [هود: 11].
وهكذا آيات كثيرة تؤكد على أهمية الصبر بل وتصور لنا نتائج الصبر الرائعة، فهل نأخذ بالنصيحة الإلهية، ونجعل من حياتنا كلها صبراً على الشهوات وصبراً على أذى الآخرين، وصبراً على من حولنا؟ عليكم يا أحبتي أن تتصوروا في اللحظة التي تأتيكم إساءة من أحد، أن الله تعالى يريد منك الصبر وسيكون معك ويرضى عنك، والله لو أننا تصورنا ذلك وشعرنا بمراقبة الله لنا في لحظة الغضب وشعرنا بمدى محبة الله للصابرين، لتذوقنا حلاوة الصبر ولم يكن شيء أحب إلى قلوبنا من أن نصبر على أذى الآخرين وأن نعالج أي انفعال أو غضب بالتسامح والابتسامة التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يعالج بها هذه الظاهرة.
يؤكد الباحثون في علم البرمجة اللغوية العصبية أن العلاج المثالي للغضب هو أن نأخذ ورقة وقلم ونتخيل ونسجل النتائج الخطيرة والمصائب التي ستحل بنا نتيجة الانفعالات السلبية والغضب، وبنفس الوقت نتخيل ونسجل النتائج الإيجابية التي سنحصل عليها عندما نصبر ونتقبل الواقع كما هو. القرآن الكريم جاء بهذه القاعدة قبل 14 قرناً، فإذا ما تأملنا آيات القرآن نلاحظ أن الله تعالى يصور لنا ما سنحصل عليه بنتيجة الصبر ثم يأمرنا بالصبر، يقول تعالى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 96]، فهذه الآية وغيرها من الآيات تبشرنا بأن عطاء الله لا ينتهي، بينما عطاء البشر محدود، وكأنه يقول لك يجب أن تبقى مع الله وتثق به، ثم يأمرنا بالصبر وأن الجزاء سيكون أكبر بكثير وأحسن مما نقدمه من عمل.
ونأتي الآن إلى موقف رائع من قصة سيدنا يوسف عليه السلام، عندما صبر على أذى إخوته، فماذا كانت النتيجة؟ لقد أصبح ملكاً لأعظم دولة في ذلك الزمن، لأنه اختار أسلوب الصبر والتقوى في حياته، ولذلك قال: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 90]. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين.
تأثير القول المعروف
كثير من الناس يجهلون تأثير الكلمة على الآخرين، فالكلمة الطيبة قد تكون سبباً في شفاء إنسان أو سعادة آخر، وقد تكون الكلمة الخبيثة سبباً في إيذاء الآخرين أكثر من الضرب! والذي دعاني لكتابة هذه المقالة بحث أجراه علماء أمريكيون حول تأثير الكلمة الخبيثة، ولكن قبل أن نتحدث عن نتائج هذه الدراسة التي تم نشرها الدراسة في جريدة العلوم النفسية، أود أن أتذكر معكم آية كريمة حول تأثير الكلمة.
يقول تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) [إبراهيم: 24-26].
ويؤكد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم هذا المعنى عندما أخبر بأن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يدخل بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يُلقي لها بالاً تهوي به في جهنم سبعين خريفاً!
وهذا يعني أن المؤمن ينبغي أن يكون دقيقاً في كلامه ويختار الكلمة الطيبة دائماً لأن الكلمة لها تأثير كبير على الإنسان، فقد ذكر باحثون (على موقع بي بي سي) أن مقولة "إن العصا والحجارة يمكن أن تكسر العظام في حين أن الكلمات لا تؤذي" غير صادقة. فالذكريات المؤلمة المرتبطة بالتجارب العاطفية أكثر إيلاما من تلك المتعلقة بالألم البدني.
وقال الباحثون في هذه الدراسة إن التغيرات التي تطرأ على المخ وتسمح لنا بالعمل في إطار جماعي أو مجتمعي يمكن أن تكون المفتاح لفهم هذا الأمر.
وطلب في هذه الدراسة من عينة البحث، وهم متطوعون جميعهم من الطلاب، أن يكتبوا عن تجاربهم المؤلمة البدنية والعاطفية ثم يجرى لهم اختبار ذهني صعب بعد كتابة تلك التجارب بوقت قصير.
والمبدأ الأساسي الذي اعتمدت عليه الدراسة أنه كلما كانت التجربة التي تذكرها الطالب أكثر إيلاما كلما كان أداؤه في الاختبار أسوأ.
وكانت النتائج أفضل لدى تذكر تجارب الألم البدني عن الألم العاطفي. وقال الباحث شينسينج زين من جامعة بوردو في ولاية إنديانا الأمريكية إنه من الصعب إحياء ذكرى الألم البدني مقارنة بالألم العاطفي والاجتماعي.
إن هناك جانباً في المخ قد يكون مسؤولاً عن التجارب والكلمات المؤلمة التي يتعرض لها الإنسان هو القشرة المخية التي تقوم بعمليات معقدة تشمل التفكير والإدراك واللغة.
إن هذا الجزء من المخ يحسن قدرة الإنسان على التكيف مع الجماعات والثقافات كما أنه مسؤول عن رد الفعل على الألم الذي له علاقة بالجماعة.
ويقول مايكل هوجسمان الأخصائي في علم نفس الطفل في ألمانيا إنه من المرجح أن تكون عدة أجزاء في المخ تتعامل مع الألم العاطفي الذي يعتبر تأثيره أبعد مدى. أي أنه في الألم البدني يمكن رؤية الجراح والكدمات أما الألم العاطفي فهو يخلف في الغالب القلق والخوف. فلو قال تلاميذ لزميل لهم إنهم سيعتدون عليه بعد نهاية دوام المدرسة فهو سيعيش في قلق وخوف أكبر بكثير مما قد يحدث له بالفعل.
ماذا نستفيد من هذه النتائج
إن مثل هذه الدراسات والتي يقوم بها أناس غير مسلمين تؤكد صدق ما جاءت به رسالة الإسلام، فالله تعالى أمرنا أن نختار كلماتنا بحيث لا نؤذي بها الآخرين، وأن نؤثر إيجابياً على الآخرين، وهذه الآيات تدل على ذلك.
يقول تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) [البقرة: 263]. ويقول أيضاً: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج: 30].
وقد أمرنا الله أن ندعو الناس بالتي هي أحسن وأن نجادلهم مجادلة طيبة ونختار الكلمة الأكثر تأثيراً بحيث نترك أثراً إيجابياً لديهم ليأخذوا فكرة صحيحة عن الإسلام، يقول تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125].
إن مثل هذه الأبحاث يجب أن تزيدنا يقيناً بمدى تأثير الكلمة الطيبة، فالكلمة الطيبة صدقة كما أخبر بذلك سيد البشر عليه الصلاة والسلام، وانظروا معي كيف قدَّم الله ذكر الكلمة الطيبة على الصلاة التي هي عماد الدين، في خطابه لبني إسرائيل: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ) [البقرة: 83].
كذلك يجب عليك أخي المؤمن أن تعلم أن كل كلمة تطلقها إنما تترك أثراً في دماغ المتلقي، وهذا الأثر لا يزول بمرور الأيام بل يبقى، لذلك احرص على أن تترك الأثر الطيب في دماغ وقلوب الآخرين، فلا تدري قد تكون كلمة تقولها سبباً في دخولك الجنة يوم لقاء الله!
من فوائد الصلاة الطبية والنفسية
لقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حزن من أمر فزع إلى الصلاة [رواه أحمد]. كما أن النبي الكريم أكد في عدة مناسبات أن أحب الأعمال إلى الصلاة على وقتها، وقال: (اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) [رواه أحمد]. فما هي الأسرار العلمية والطبية والنفسية الكامنة وراء هذه العبادة العظيمة التي هي عماد الدين؟
إن توقيت الصلوات الخمسة بما يتوافق مع بزوغ الفجر وشروق الشمس وزوالها وغيابها وغياب الشفق تتوافق مع العمليات الحيوية للجسم،مما يجعلها كالمنظم لحياة الإنسان وعملياته الفيزيولوجية.
فعند أذان الصبح والذي يعتبر بداية بزوغ الفجر يبـدأ إفـراز الكورتيزون في الجسم بالازدياد كما يتلازم مع ارتفاع في ضغط دم الجسم مما يشعر الإنسان بالحيوية والنشاط في هذا الوقت. وفي وقت الفجر تكون نسبة غاز الأكسجين مرتفعة في الجو ونسبة مرتفعة من غاز الأوزون أيضاً والذي ينشط الدورة الدموية والجهاز العصبي والعضلي.
أما عند صلاة العشاء فيفرز الجسم مادة الميلاتوئين التي تؤدي إلى استرخاء الجسم وتهيئته للنوم، وفي هذا الوقت تأتي صلاة العشاء ليختم بها المؤمن صلواته اليومية ويخلد بعدها للنوم.
من الكشوفات الحديثة عن أسرار الصلاة أنها وقاية من مرض الدوالي بسبب الحركات التي يؤديها المؤمن في صلاته من ركوع وسجود والتي تجدد نشاط الدورة الدموية وتعيد تنظيم ضغط الدم في كافة أجزاء الجسم.
إن الصلاة تعتبر من أفضل أنواع الرياضات لأنها تلازم المؤمن طيلة حياته وبنظام شديد الدقة. وبالتالي يتجنب الكثير من الأمراض مثل ترقق العظام والناتج عن قلة الحركة. وتقوس العمود الفقري، وقد ثبت أن المحافظة على الصلوات تعيد للجسم حيويته وتنظم عمليات الجسم الداخلية.
إن الركوع والسجود في الصلاة يقويان عضلات البطن والساقين والفخذين. كما تزيد حركات الصلاة من نشاط الأمعاء فتقي من الإمساك. كذلك الركوع والسجود يؤديان إلى تقليل ضغط الدم على الدماغ ليسمح بعودة تدفق الدم إلى كافة أعضاء الجسم.
كما أن المرأة الحامل تستفيد من حركات الصلاة في تنشيط حركة عضلاتها ودورتها الدموية وتخفيف الضغط والثقل الذي يسببه الجنين على القدمين من خلال السجود.
كما أن حركات الصلاة تعتبر بمثابة تمارين رياضية للحامل وخصوصاً في الأسابيع الأخيرة من الحمل، وهذه الرياضة مهمة لتيسير الولادة الطبيعية.
هنالك آثار نفسية عظيمة للصلاة، فعندما يتم المؤمن خشوع الصلاة فإن ذلك يساعده على التأمل والتركيز والذي هو أهم طريقة لمعالجة التوتر والإرهاق العصبي. كذلك الصلاة علاج ناجع للغضب والتسرع والتهور فهي تعلم الإنسان كيف يكون هادئاً وخاشعاً وخاضعاً لله عز وجل وتعلمه الصبر والتواضع. هذه الأشياء تؤثر بشكل جيد على الجملة العصبية وعلى عمل القلب وتنظيم ضرباته وتدفق الدم خلاله.
إن الصلاة هي صلة العبد بربه، فعندما يقف المؤمن بين يدي الله تعالى يحس بعظمة الخالق تعالى ويحسُّ بصغر حجمه وقوته أمام هذا الإله العظيم. هذا الإحساس يساعد المؤمن على إزالة كل ما ترسب في باطنه من اكتئاب وقلق ومخاوف وانفعالات نفسية لأنها تزول جميعاً بمجرد أن يتذكر المؤمن أنه يقف بين يدي الله وأن الله معه ولن يتركه أبداً ما دام مخلصاً في عبادته لله عز وجل.
لذلك وبسبب الأهمية البالغة لهذه الفريضة، جاء التأكيد على أنه لا يجوز للمؤمن أن يتركها مهما كان السبب فيجوز له أن يصلي قائماً فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنبه حسب ما تسمح به الحالة الصحية له.
وحتى عندما يكون المؤمن على فراش الموت فلا يجوز له أن يترك الصلاة، بل هل هنالك أجمل من أن يختم المؤمن أعماله في هذه الدنيا بركعات يتصل بها مع الله تعالى؟ بل إن أول صفة للمتقين في القرآن هي الإيمان بالغيب ثم الصلاة، يقول تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة: 2-3].
واستمعوا معي لهذا النداء الإلهي الرائع: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153]. فالصبر إذا امتزج مع الصلاة كانا شفاء قوياً لأي مرض، وبخاصة إذا أقام المؤمن الصلاة بخشوع تام ولم يفكر بشيء من أمور الدنيا بل كان همه أن يرضي الله تعالى.
عندما يقف الإنسان بين يدي الله في صلاته متوجهاً بقلبه إلى خالقه وهو يتخيل الجنة والنار وأحداث يوم القيامة وما يتلوه من معاني، ويتدبر الآيات التي يقرأها وإذا مرَّ بآية دعاء كررها، فإن هذه الصلاة ليست مجرد عبادة بل هي شفاء بحق. لأن الدماغ سوف يتلقى كمية كبيرة من المعلومات والأوامر القرآنية من خلال تلاوة القرآن أثناء الصلاة، وهذه الأوامر ستكون بمثابة إعادة شحن وبرمجة وإصلاح وتأهيل لما تعطل من خلايا!
دراسات علمية جديدة حول الأثر النفسي للصلاة
يصرح بعض الباحثين المهتمين بموضوع الشفاء بالصلاة أن أي نوع من أنواع الصلاة إذا تمت بخشوع وتأمل يكون لها تأثير جيد على شفاء الأمراض، وفي مقالة نشرتها جريدة washingtonpost أكد فيها الباحثون أن الذين يحافظون على الصلاة بغض النظر عن دياناتهم يتمتعون بصحة أفضل وباستقرار نفسي ولا يعانون من اضطرابات نفسية.
فممارسة العبادة والتأمل يخفض من ضغط الدم وهرمونات الإجهاد ويبطئ معدل نبضات القلب بالإضافة إلى مفعول مهدئ. ويؤكد بعض الباحثين أن ممارسة الصلاة والعبادة في جميع الأديان يؤدي إلى تحسن أداء النظام المناعي للإنسان.
وفي دراسة أُجريت في جامعة كاليفورنيا شملت أناس متدينين من مختلف الأديان، وجد الباحثون أن الإنسان المتدين لديه نسبة أقل من خطر الموت المفاجئ والأمراض المزمنة، وفي دراسة ثانية أُجريت في جامعة روشستر تبيَّن أن معظم الأمريكيين (85 % ) يقتنعون بأن الصلاة تساعد على شفاء الأمراض.
حتى إن بعض الباحثين وجدوا أن الدعاء للمرضى يمكن أن يساهم في تخفيف مرضهم، فقد قام أحد الأطباء وهو من سان فرانسيسكو Randolph Byrd بطلب الدعاء لأجل مئتي مريض قلب، ووجد تحسناً في حالتهم أكثر من أولئك الذين تُركوا من دون دعاء. وقد قام باحث آخر هو William S. Harris بنفس التجربة على ألف مريض قلب، ولاحظ أن المرضى الذين دعا لهم أصدقاؤهم بالشفاء أكثر تحسناً من أولئك الذي تُركوا من دون دعاء.
وفي دراسة أجريت عام 1988 من قبل العالم Randolph Byrd أظهرت الدراسة مفاجآت غير متوقعة، حيث وجد الطبيب الأمريكي أن الدعاء والصلاة من أجل مرضى القلب يؤدي إلى تحسن حالتهم النفسية والصحية.
وهناك دراسة نشرتها مجلة القلب الأمريكية عام 2006 تبين أن الصلاة ليس لها أي تأثير على المرضى، ولكن هذه الدراسة تقوم على الصلاة الشركية التي يدعون فيها المسيح من دون الله، وهذا لا يجوز، وكم تمنيت لو أن علماءنا يقومون بتجارب مماثلة على الدعاء والصلاة، ليثبتوا للعالم كله صدق هذا الدين.
ولا ننسى أن قرَّة عين النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم جُعلت في الصلاة، فكانت هي الشفاء وهي السعادة وهي القرب من الله عز وجل. ونقول كما قال سيدنا إبراهيم: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) [إبراهيم: 40-41].
دراسات كثيرة تحدثت عن فوائد الصلاة طبياً، وقد أحببتُ أن أذكر ببعض الفوائد التي ينبغي علينا أن ندركها لنشعر بحلاوة ولذة الصلاة والعبادة. وإليكم بعذ هذه الفوائد باختصار:
1- الصلاة هي أفضل رياضة عقلية وروحية وجسدية، والمحافظة عليها يعني المحافظة على جسد سليم وحالة نفسية هادئة ومستقرة. ولذلك فإن أهم صفة من صفات المتقين بعد الإيمان هي الصلاة، يقول تعالى في أول سورة بعد الفاتحة: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة: 2-3].
2- إذا أردتَ أن تعالج آلام أسفل الظهر والقدمين فعليك بالصلاة والحفاظ عليها. والصلاة ليست مجرد عبادة نتقرب بها إلى الله لنكون من المفلحين في الآخرة، بل هي نجاح في الدنيا أيضاً، وهي خير للمؤمن، وهذا ما نجده في قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة: 110].
3- الصلاة هي رياضة خفيفة ومفيدة للعضلات وتعالج الوهن الجسدي والعجز والضعف الذي يصيب الكثيرين. وهي أفضل علاج لمشاكل العصر إذا ما ترافقت بالصبر، فالصلاة والصبر علاج ناجع لكثير من الأمراض النفسية، ولذلك قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة: 45].
4- في الركوع والسجود فائدة عظيمة للأوعية الدموية وتحسين دورة الدم، وتحسين أداء القلب، والمذهل أن هذه التأثيرات العجيبة لا تظهر إلا مع المحافظة على الصلوات، ومن هنا ربما ندرك لماذا أمرنا الله بالمحافظة على الصلاة! يقول تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238].
5- إن حركات الصلاة متنوعة وشاملة وتساعد على دوران الدم بشكل جيد وإيصاله للكل أعضاء الجسد وبخاصة الدماغ، فانحناء الجسم أثناء الركوع وأثناء السجود يساعد على تنشيط الدورة الدموية. وأهم ما في الصلاة أنها عمل منتظم ومستمر وتستمر حتى آخر لحظة من حياة المؤمن. والصلاة تساعد على علاج الخوف والاضطرابات النفسية والقلق،
ولذلك قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 277].
6- الصلاة تمنح المؤمن طاقة عجيبة بسبب اتصاله مع خالقه عز وجل، هذه الطاقة تزداد مع الخشوع، ولذلك أمرنا الله بالخشوع أثناء الصلاة فقال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 1-2].
7- تعتبر الصلاة رياضة خفيفة لا تضر الجسم مثل الرياضة العنيفة التي تتطلب الجريان وإجهاد العضلات وتحميلها أكثر من طاقتها.
لذلك فإن الصلاة راحة للإنسان وهذا ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لسيدنا بلال: (أرِحنا بها يا بلال)، وقد اعتبر النبي أن أحب الأعمال إلى الله: الصلاة على وقتها، فهل نقتدي بهذا النبي الكريم؟!
لماذا أمرنا الله بالخشوع أثناء الصلاة؟
إن "ظاهرة" الخشوع في الصلاة أصبحت شبه منعدمة في عصرنا هذا، ربما بسبب ضغوط العصر والمشاكل والتطورات والأعباء المادية التي يعاني منها معظم الناس. والسؤال: لماذا أمرنا الله بالخشوع، وما فائدة ذلك؟ وماذا يحدث إذا فكر الإنسان بأكثر من شيء في آن واحد؟
في دراسة نشرها معهد راين فيستفاليا للدراسات التقنية في مدينة آخن الألمانية تبين أن العقل البشري يحتاج إلى وقت أطول في ردة الفعل، فيما إذا حاول الإنسان أن يقوم بعملين مختلفين في آن واحد؛ والنتيجة ستكون زيادة الأخطاء الناجمة عن تشتت الذهن في أكثر من عمل.
فعلى عكس ما كان يعتقد حتى الآن أظهرت هذه الدراسة الجديدة أن القيام بأكثر من عمل في نفس الوقت يؤدي إلى تباطأ العقل البشري في تنفيذها وزيادة احتمال ورود الأخطاء، ناهيك عن الأعباء الاقتصادية والنفسية.
فإذا أراد شخص ما إجراء مكالمة هاتفية على سبيل المثال وتصفح كتاباً، فإن الزمن المخصص لإنجاز المهمتين مع بعضهما سيكون أطول وستكثر الأخطاء عند قيام الشخص بإنجاز كل مهمة على حدة. فحسبما وضح عالم النفس إيرينغ كوخ، المشرف على هذه الدراسة، فإننا عندما نقوم بعملين متوازيين، فإن قدرتنا ستضعف في تنفيذ الأمرين وذلك بمقدار يصل إلى 40 في المائة: الأشخاص الذين أجريت عليهم التجربة احتاجوا لتنفيذ مهمتين متزامنين ما يصل إلى 40 في المائة من الوقت مقارنة بما لو كانوا قد قاموا بتنفيذ المهمتين بالتسلسل.
ويضيف عالم النفس الألماني قائلا إن أثر مثل هذا التأخير لا نلاحظه في حياتنا اليومية لأنه ليس هناك من يمسك بساعة توقيت زمني ويحسب زمن تنفيذنا للمهام، مشيراً إلى أن الخطورة تكمن مثلا حينما يكون سائق سيارة على الخط الطويل وفي نفس الوقت يجري اتصالا تلفونيا فإنه لا يستجيب بالسرعة المطلوبة لأي طارئ.
تبين من خلال الدراسة أن الدماغ البشري يمتلك إمكانيات محدودة في تلقي مؤثرات خارجية عدة بنفس الوقت والتعامل معها بنفس السرعة. فصحيح أن انتقال الأوامر من وإلى الدماغ لا تستغرق سوى أجزاء من الثانية، إلا أن هذا الانتقال يستوجب من الدماغ بعض الوقت لإدراك المهمة الواجب تنفيذها، مما يؤثر سلباً على سرعة التنفيذ. فالعقل يحاول ترتيب الأوامر الواردة إليه وتنفيذها متسلسلة واحد تلو الأخر.
ويستغرب الدكتور كوخ كيف أن قدرة أي شخص، من الناحية النظرية، على تنفيذ أكثر من مهمة في وقت واحد ينظر لها كميزة له وليس العكس، مشيراً إلى أنه على العكس من ذلك يفترض محاولة تقليل الضغوط على هؤلاء الأشخاص لكي يعلمون بفاعلية أكبر. "وهذا لن يكون له نتائج ايجابية من الناحية الاقتصادية فحسب، بل وصحية أيضا من خلال تخفيف الضغط النفسي على العاملين، حسب تعبير العالم الألماني. ويؤكد كوخ أن الآثار الصحية المترتبة على القيام بأكثر من مهمة في آن واحد تتمثل في الإرهاق والصداع وقد تصل في أسوأ الأحوال إلى مرحلة الاحتراق النفسي.
ماذا نستفيد من نتائج هذه الدراسة؟
إن المؤمن ينبغي عليه أن يفكر بكل اكتشاف جديد ويحاول تسخيره لفائدته في الدنيا والآخرة، فنحن نعلم أن الله تعالى أمرنا بالخشوع أثناء الصلاة، والخشوع يعني أن نركز كل انتباهنا إلى الآيات التي نقرأها والتسبيح والتكبير والأذكار التي نؤديها أثناء الصلاة. وقد مدح الله تعالى المؤمنين بسبب صفة تميزوا بها عن غيرهم وهي صفة الخشوع في الصلاة فقال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 1-2].
ومن هنا نستطيع أن نقول إن المؤمن الذي يؤدي الصلاة وهو يفكر بأمور دنيوية ومشاكل وهموم وأعمال ومخططات... فإن تركيزه أثناء الصلاة سوف ينخفض كثيراً، ولن يستفيد من القرآن الذي يقرأه أو الأذكار التي يرددها في صلاته، ولذلك لا يحس بحلاوة ولذة هذه الفريضة.
كذلك عندما نستمع إلى القرآن فينبغي علينا أن نصغي وننصت لكلمات القرآن ونتأمل معانيه ونركز انتباهنا لكل حرف وكلمة نسمعها، وبالتالي يكون هذا القرآن شفاء لنا ورحمة، ولذلك قال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف: 204]. وفي هذا إجابة عن أسئلة تتكرر كثيراً: لماذا أقرأ القرآن ولا أُشفى من مرضي؟ ولماذا أصلي ولا أنتهي عن المنكر؟ ولماذا لا أشعر بحلاوة الإيمان؟ ولماذا أحاول حفظ القرآن ولا أستطيع؟
والجواب على كل هذه الأسئلة يتلخص في كلمة واحدة هي: الخشوع! فهذه الصفة وصف الله بها الجبل لو كان يعقل كلام الله تعالى عندما قال: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21]. فلو أن كل واحد منا مارس "رياضة الخشوع" كل يوم لمدة نصف ساعة فقط، لتغيرت الكثير من الأشياء في حياته، ليصبح أكثر قدرة على مواجهة المصاعب، وأكثر تحملاً لأعباء الحياة، وأكثر قدرة على اتخاذ القرارات السليمة، وكذلك سوف يعالج الكثير من الأمراض والمخاوف والهموم بهذه الطريقة.
حتى إن العلاج لكثير من الأمراض النفسية والجسدية لا يحدث إلا بالخشوع ولذلك قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة: 45]. فالصبر والصلاة هما مفتاح الجنة، وأسهل ما يكون على الخاشع، بينما نجد الإنسان الذي لا يخشع ولا يتأمل ولا يتفكر في خلق الله ولا يتدبر القرآن، نجد الصلاة صعبة عليه وصبره قليل، وتجده كثير الانفعالات، إذاً الخشوع أو التركيز على العبادات وقراءة القرآن هو العلاج الأمثل.
بل إن الله تعالى وصف أنبياءه الذين استُجيبت دعوتهم بأنهم كانوا في حالة خشوع دائم له! يقول تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90].
دراسة تؤكد أن الصلاة تطيل العمر لأسباب نفسية وجسدية
آيات كثيرة جاءت لتخبرنا بأهمية الصلاة حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر أن أهم وأحب الأعمال إلى الله: الصلاة على وقتها. وأول صفة (بعد الإيمان) ذُكرت للمتقين في القرآن أنهم يقيمون الصلاة، يقول تعالى: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة: 1-3]. والذي يترك الصلاة يعتبر كافراً في الإسلام، وفي أفضل الحالات يعتبر فاسقاً أو عاصياً إذا ترك الصلاة تهاوناً وليس إنكاراً! والسؤال: هل كشف العلماء غير المسلمين أسراراً وفوائد جديدة للصلاة؟ لنقرأ هذا الخبر العلمي ومن ثم نقوم بالتعليق عليه.
الدراسة العلمية
في دراسة علمية جديدة تبيَّن الأثر الشفائي للصلاة بشكل لم يكن يتوقعه الباحثون، والذين أسسوا أبحاثهم على الإلحاد وإنكار الخالق تبارك وتعالى، واعترفوا أخيراً أن الذهاب إلى الكنيسة أو الجامع، أو غيرها من أماكن العبادة للصلاة، قد يساهم في إطالة عمر الشخص الذي يؤدي صلواته بانتظام.
هذا ما أظهرته دراسة جديدة نُشرت في مجلة Psychology and Health ، أكدت أن النساء الأكثر تقدماً في السن، ممن يواظبن على حضور الصلاة وأدائها، تقل نسبة خطورة الوفاة لديهن بنسبة 20 في المائة مقارنة بسائر النساء في فئتهن العمرية. وقد جمع فريق من الباحثين من كلية طب ألبرت اينشتاين بجامعة ياشيفا جميع الديانات في الدراسة، وقاموا بمتابعة ما إذا كانت تلك النسوة يؤدين الصلاة بشكل منتظم، وما إذا كانت تبعث على الراحة لديهن.
فوجدوا أن الطقوس الدينية المنتظمة، تخلق نوعاً من التواصل الاجتماعي، ضمن نظام يومي يلعب دوراً واضحاً في تقوية الصحة، واللياقة الجسمية، ويبدو أن السيدات اللواتي ينتظمن في الصلاة يعشن مدة أطول من غيرهن. ويرى الباحث اليزر شنال أستاذ علم النفس المشرف على الدراسة، أنه لا يمكن تفسير الحماية التي توفرها الصلاة للمصلين بصورة واضحة وتامة بمجرد وجود عوامل متوقعة، منها الدعم العائلي القوي، اختيارات نمط الحياة، والإقلال من التدخين وشرب الكحول فقط. هناك أمر آخر لا يمكننا أن ندركه أو نفهمه، فمن المحتمل دائما أن يكون هناك عوامل يمكن أن تفسر هذه النتائج.
قام الباحثون بدراسة 92395 سيدة، تراوحت أعمارهن ما بين 50 و79 عاماً، أدركهن سن اليأس، واشتركن في دراسة تهدف إلى مراقبة صحة المرأة الأساسية أُجريت على مستوى دولي، وبدعم من المنظمة الدولية للصحة، وكان الهدف منها معرفة مشاكل المرأة الصحية على المدى الطويل. هؤلاء السيدات قمن بالإجابة عن أسئلة حول سلوكهن اليومي وصحتهن وعاداتهن الدينية، وتم متابعتهن لسبع سنوات، فظهر أن نسبة الوفاة انخفضت بمقدار 20 في المائة لدى النساء اللواتي يؤدين الصلاة ولو مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، بالمقارنة مع الأخريات.
أحب الأعمال إلى الله تعالى
الذي يلفت الانتباه في هذه الدراسة أن الصلاة على الطريقة غير الإسلامية لمرة في الأسبوع تخفض احتمال الإصابة بالأمراض، وتساعد على الاستقرار النفسي، والسؤال: كيف لو أُجريت هذه الدراسة على أناس مؤمنين يلتزمون بأداء الصلوات الخمس مع قيام الليل؟! إن النتائج ستكون مبهرة، ولكن قصَّرنا نحن المسلمين بالقيام بمثل هذه التجارب العلمية، وننتظر غيرنا حتى يقوم بها! فالصلاة على الطريقة الإسلامية في خمس أوقات من اليوم والليلة، تعني أن الإنسان سيكون في حالة طهارة معظم اليوم، وسيكون في حالة اتصال مع الخالق عز وجل، وسيكون في حالة خشوع وصفاء ذهني، وهذا سيساعده على شفاء الكثير من الأمراض النفسية، لأن الصلاة تعني الاستقرار النفسي.
أما الفوائد الأخرى للصلاة فتتمثل في أن المؤمن عندما يحافظ على الصلوات في أوقاتها، فإن حياته ستكون منظّمة وبالتالي سيساعد الساعة البيولوجية في خلايا جسده على العمل بكفاءة عالية واستقرار مذهل، وبالتالي فإن النظام المناعي سوف يزداد، وتزداد معه قدرة الجسم على مقاومة مختلف الأمراض العضوية، أي أن الصلاة مفيدة للإنسان نفسياً وجسدياً.
هناك العديد من الدراسات العلمية التي تؤكد على فوائد الصلاة الطبية لعلاج أمراض المفاصل والعمود الفقري وكثير من الأمراض الأخرى، ولكن لا تحدث الفائدة إلا إذا حافظ المؤمن على الصلاة، حتى بالنسبة للمرأة الحامل فإن الصلاة تكون مفيدة في تسهيل الولادة وهي بمثابة تمارين رياضية ضرورية للمرأة الحامل. كذلك فإن رياضة المشي إلى المساجد تعتبر من أهم أنواع الرياضة.
وأود أن أخبركم بملاحظة رأيتها في أعداد كبيرة من المصلين الذين يحافظون على صلواتهم، وهي أنهم يتمتعون بهدوء نفسي وتحمل أكبر لضغوط الحياة، ويتمتعون بقدرة عالية في علاج المشاكل اليومية، بل يتمتعون بميزة عظيمة وهي الرضا بما قسم لهم الله تعالى، وبالتالي نجدهم أكثر الناس استقراراً من الناحية النفسية. طبعاً هذه مشاهدات مؤكدة يمكن لأي إنسان أن يراها، وحبذا لو يقوم باحثونا المسلمون بإجراء تجارب ودراسات تثبت لهم ذلك.
دراسة أمريكية تؤكد أهمية التفاؤل
لا يوجد كتاب على وجه الأرض مثل القرآن يمنح المؤمن التفاؤل والفرح والسرور، ومهما تكن المصيبة ومهما تكن الهموم ومهما تكن الظروف، فإنك تجد في القرآن حلولاً لجميع مشاكلك، ويكفي أن تقرأ هذه الآية العظيمة التي تمنح الإنسان الرحمة والفرح والأمل، يقول تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53]. وانظر معي إلى هذه الكلمات الإلهية الرائعة: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
ولو تأملنا القرآن نجد مئات الآيات التي تمنح الإنسان القوة والتفاؤل، مثلاً يقول تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].... آيات كثيرة تبشر المؤمن بحسن الخاتمة وبالفرح الأكبر يوم لقاء الله، فتهون عليه أحزانه وتتضاءل أمامه المشاكل ويكفي أن تتذكر رحمة الله حتى تنسى كل هموم الدنيا: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 156-157].
هذه الآيات على كثرتها تزيد المؤمن تسليماً وفرحاً بلقاء ربه، وترد على كل ملحد يدعي أن القرآن من تأليف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم! فهم يقولون إن النبي كان يريد السيطرة على العالم ويطمح للمجد والشهرة والعظَمَة! ولكن عندما نقرأ القرآن لا نجد آية واحدة يظهر فيها شيء كهذا، بل إن الله تعالى عاتب نبيه أحياناً وحذره أحياناً وعلَّمه وأمره أن يؤكد للناس أنه "بشر" وليس إلهاً!
فلو كان النبي كما يدَّعون إذاً لادعى الألوهية، بل لماذا يعاتب نفسه فيقول: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) [عبس: 1-2]؟ ولماذا يحذّر نفسه من الشرك فيقول: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر: 65]؟ ولماذا يعتبر نفسه بشراً مع العلم أنه يستطيع ادعاء الربوبية كما فعل فرعون، يقول تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) [فصلت: 6].... إن هذه الآيات دليل على صدق هذا النبي وأنه جاء بأمر من الله وبلغ القرآن كما نزل عليه دون زيادة ولا نقصان.
واليوم يكشف العلماء بعض الحقائق عن التفاؤل وأهميته للوقاية من الأمراض بما يساهم في طول معدلات العمر (مع تأكيدنا بأن الآجال بيد الله تعالى، ولكننا نعرض نتائج دراسات علمية تدرس ظاهرة التفاؤل ومعدلات الوفيات في العالم وتخرج بنتائج يمكن أن نستفيد منها).
فقد قال باحثون أمريكيون في دراسة هي الأحدث من نوعها - ربما تعطي المتشائمين سبباً آخر للتذمر - إن الذين يتسمون بالتفاؤل يعيشون عمراً أطول وكذلك الأشخاص الأكثر صحة، وذلك بالمقارنة مع نظرائهم المتشائمين.
ودرس الباحثون في جامعة بيتسبورج معدلات الوفاة والظروف الصحية المزمنة بين المشاركات في دراسة "مبادرة الصحة للنساء" والتي تتبعت أكثر من 100 ألف امرأة تتراوح أعمارهن بين 50 عاماً وأكثر منذ 1994. وكانت النساء اللائي يتسمن بالتفاؤل - يتوقعن حدوث الأمور الطيبة لا السيئة- أقل احتمالاً بواقع 14 % للوفاة لأي سبب مقارنة بالمتشائمات وأقل احتمالا بنسبة 30 % للوفاة من أمراض القلب بعد ثماني سنوات من المتابعة في هذه الدراسة. وكانت المتفائلات كذلك أقل احتمالاً للإصابة بارتفاع ضغط الدم والبول السكري أو الإقبال على تدخين السجائر.
ودرس الفريق الذي أشرفت عليه الدكتورة هيلاري تيندل النساء اللائي كن أكثر ارتياباً تجاه الآخرين - وهن مجموعة يطلق عليهن "معادون بشكل تشاؤمي" - وقارنوهم مع النساء اللائي يتسمن بأنهن أكثر ثقة في الآخرين. وكانت النتيجة أن النساء في مجموعة العِداء التشاؤمي يمِلن إلى الاتفاق مع أسئلة مثل "مِن الأكثر أمانا ألا أثق في أحد".
وقالت تيندل التي قدمت دراستها في (5 مارس 2009) للاجتماع السنوي للمنظمة الأمريكية للأمراض الجسدية النفسية: هذه التساؤلات تدل على ارتياب عام في الناس، فالنساء اللائي يتسمن بالعداء التشاؤمي كن أكثر احتمالاً بنسبة 16 % للوفاة (خلال فترة الدراسة) مقارنة بالنساء اللائي كن الأقل في العداء التشاؤمي. وهؤلاء النسوة أيضاً هنَّ أكثر احتمالاً بواقع 23 % للوفاة بسبب السرطان.
إن الدراسة لا تثبت أن الاتجاهات السلبية تسبب آثاراً صحية سلبية، لكن هذه النتائج يبدو أنها مرتبطة بطريقة ما. فالباحثون يؤكدون أن هناك حاجة حقيقية إلى مزيد من الدراسات لإعداد علاجات من شأنها أن تستهدف اتجاهات الناس لرؤية ما إذا كان يمكن إحداث تعديل لديهم وما إذا كان هذا التعديل مفيداً للصحة. إن المتشائم ينتابه تفكير: أنا محكوم علي بالإخفاق... ليس هناك ما يمكنني عمله... لا أدري هل هذا صحيح...
من فوائد التفاؤل
لو تتبعنا الدراسات حول التفاؤل وفوائده الطبية نجد العديد من الفوائد التي تجعلنا نتفاءل:
- فالتفاؤل يرفع نظام مناعة الجسد ضد جميع الأمراض.
- والتفاؤل يمنح الإنسان قدرة على مواجهة المواقف الصعبة واتخاذ القرار المناسب.
- إنه يحبب الناس إليك فالبشر يميلون بشكل طبيعي إلى المتفائل وينفرون من المتشائم.
- التفاؤل يجعلك أكثر مرونة في علاقاتك الاجتماعية وأكثر قدرة على التأقلم مع الوسط المحيط بك.
- من الفوائد العظيمة للتفاؤل أنه يمنحك السعادة، سواء في البيت أو في العمل أو بين الأصدقاء.
- التفاؤل مريح لعمل الدماغ!! فأن تجلس وتفكر عشر ساعات وأنت متفائل، فإن الطاقة التي يبذلها دماغك أقل بكثير من أن تجلس وتتشاءم لمدة خمس دقائق فقط!
- التفاؤل هو جزء من الإيمان، فالمؤمن يفرح برحمة ربه، ولو لم يفعل ذلك ويئس فإن إيمانه سيكون ناقصاً، وانظروا معي إلى سيدنا يعقوب الذي ضرب أروع الأمثلة في التفاؤل. فابنه يوسف قد أكله الذئب كما قالوا له، وابنه الثاني سَرَق وسُجن كما أخبروه... وعلى الرغم من مرور السنوات الطويلة إلا أنه لم يفقد الأمل من رحمة الله تعالى.
انظروا ماذا كان رد فعله وماذا أمر أبناءه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]... بالله عليكم! هل نسمي ديننا الحنيف "الإسلام" والذي جاء بمثل هذه التعاليم الراقية، هل نسميه دين إرهاب أم دين محبة وتفاؤل وسلام؟!
النبي كان يحب التفاؤل
كلّنا يعلم أن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام كان يعجبه الفأل، وكان يحب أن يستبشر بالخير، بل كان ينهى قومه عن كلمة (لو) لأنها تفتح عمل الشيطان، إنما أمرهم أن يقولوا: (قدَّر الله وما شاء فعل)، وكان منهجه في التفاؤل يتجلى في تطبيقه لقول الحق تبارك وتعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
وعندما رأى أحد الصحابة وقد أصابه الحَزَن والهموم وتراكمت عليه الديون، قال له: قل: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن ومن العجز والكسل ومن البخل والجبن ومن غلبة الدين وقهر الرجال ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال)، فإن الله سيّذهب عنك همَّك ويقضي عنك ديْنك، وبالفعل لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى تحقق ذلك.
وأود أن أدعو نفسي وإياكم لتعلم هذا الدعاء الذي دعى به سيدنا يونس وهو في أصعب المواقف، فاستجاب الله له، وكشف عنه الغم ونجَّاه من الهلاك، لتحفظ هذا الدعاء يا أخي كما تحفظ اسمك، وهذا هو الدعاء: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87].
الصيام ... لعلاج الضغوط النفسية
يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]. والله تعالى لا يكتب شيئاً على عباده إلا إذا كان فيه مصلحة ومنفعة لهم. ولذلك قد عُرف الصيام منذ آلاف السنين قبل الإسلام عند معظم شعوب العالم، وكان دائماً الوسيلة الطبيعية للشفاء من كثير من الأمراض، وأن الصوم هو الطريق الطبيعي للشفاء من الأمراض!
يؤكد الباحثون اليوم أن مستوى الطاقة عند الصائم يرتفع للحدود القصوى!!! فعندما تصوم أخي المؤمن فإن تغيرات كثيرة تحصل داخل جسدك من دون أن تشعر، فهنالك قيود كثيرة تُفرض على الشياطين، فلا تقدر على الوسوسة والتأثير عليك كما في الأيام العادية، وهذا ما يرفع من مستوى الطاقة لديك لأنك قد تخلصت من مصدر للتوتر وتبديد الطاقة الفعالة سببه الشيطان.
إن أكثر من عُشر طاقة الجسم تُستهلك في عمليات مضغ وهضم الأطعمة والأشربة التي نتناولها، وهذه الكمية من الطاقة تزداد مع زيادة الكميات المستهلكة من الطعام والشراب، في حالة الصيام سيتم توفير هذه الطاقة طبعاً ويشعر الإنسان بالارتياح والرشاقة. وسيتم استخدام هذه الطاقة في عمليات إزالة السموم من الجسم وتطهيره من الفضلات السامة.
إن للجسم مستويات محددة من الطاقة بشكل دائم، فعندما توفر جزءاً كبيراً من الطاقة بسبب الصيام والامتناع عن الطعام والشراب، وتوفر قسماً آخر بسبب النقاء والخشوع الذي يخيم عليك بسبب هذا الشهر الفضيل، وتوفر طاقة كبيرة بسبب الاستقرار الكبير بسبب التأثير النفسي للصيام، فإن هذا يعني أن الطاقة الفعالة لديك ستكون في قمتها أثناء الصيام، وتستطيع أن تحفظ القرآن مثلاً بسهولة أكبر، أو تستطيع أن تترك عادة سيئة مثلاً لأن الطاقة المتوافرة لديك تؤمن لك الإرادة الكافية لذلك.
للصيام قدرة فائقة على علاج الاضطرابات النفسية القوية مثل الفصام!! حيث يقدم الصوم للدماغ وخلايا المخ استراحة جيدة، وبنفس الوقت يقوم بتطهير خلايا الجسم من السموم، وهذا ينعكس إيجابياً على استقرار الوضع النفسي لدى الصائم.
حتى إننا نجد أن كثيراً من علماء النفس يعالجون مرضاهم النفسيين بالصيام فقط وقد حصلوا على نتائج مبهرة وناجحة! ولذلك يعتبر الصوم هو الدواء الناجع لكثير من الأمراض النفسية المزمنة مثل مرض الفصام والاكتئاب والقلق والإحباط.
إن الصيام يحسِّن قدرتنا على تحمل الإجهادات وعلى مواجهة المصاعب الحياتية، بالإضافة للقدرة على مواجهة الإحباط المتكرر. وما أحوجنا في هذا العصر المليء بالإحباط أن نجد العلاج الفعال لمواجهة هذا الخطر! كما أن الصوم يحسن النوم ويهدّئ الحالة النفسية.
فلدى البدء بالصوم يبدأ الدم بطرح الفضلات السامة منه أي يصبح أكثر نقاء، وعندما يذهب هذا الدم للدماغ يقوم بتنظيفه أيضاً فيكون لدينا دماغ أكثر قدرة على التفكير والتحمل.
بكلمة أخرى أكثر استقراراً للوضع النفسي. والآن ينبغي أن نستيقن بأن الإسلام لم يأت بشيء إلا وفيه مصلحة ومنفعة لنا، ولم ينهنا عن شيء إلا وفيه ضرر وشر بنا، ولذلك ينبغي أن ندرك ونتأمل ونتدبر قول الحقّ عز وجل: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 184].
هل يمكن قراءة أفكار الآخرين؟
هل سيأتي ذلك اليوم عندما يتمكن العلماء من معرفة ما يفكر به الإنسان، أو يخفيه ولا يريد أن يظهره للناس؟ هكذا يأمل العلماء ولكن ما هي الحقيقة؟ لقد تمكن العلماء في بريطانيا وألمانيا واليابان من قراءة الدماغ وما يفكر به الإنسان! وقد استخدموا جهاز المسح الذي يعمل بالرنين المغنطيسي (fMRI)، بعد إجراء العديد من التجارب المذهلة.
فقد قاموا بسؤال أحد الأشخاص سؤالاً يحتمل الإجابة بنعم أو لا، وكان جهاز المسح المغنطيسي دائماً يظهر المنطقة الخاصة بالجواب من الدماغ. فإذا كان الجواب (نعم) فإن منطقة محددة في الدماغ ستنشط وعلى الفور يكتشف الجهاز هذا النشاط، وإذا كان الجواب (لا) فإن منطقة أخرى في الدماغ ستنشط وسوف يرصدها جهاز المسح.
وتظهر الصور الملتقطة للدماغ بواسطة جهاز المسح المغنطيسي كيف أن أماكن محددة تنشط في الدماغ أثناء تفكير الإنسان بشيء ما، وأن كل منطقة مختصة بنوع من أنواع الأفكار، وعندما نطرح على الإنسان مثلاً سؤالاً: هل تحب هذا الشخص أم لا؟ فإن الجهاز يرصد لنا المنطقة المسؤولة عن الجواب بنعم أم لا قبل أن يتكلم وبمجرد أن يبدأ التفكير بالجواب يكون الجهاز قد رصد الجواب وأظهر لنا على شاشة الكمبيوتر المنطقة المتوهجة من الدماغ والتي نستطيع من خلالها معرفة الجواب!! طبعاً باستخدام برنامج محدد لهذا الغرض.
ولذلك فإن هذا الجهاز يستطيع أن يخبرك بما تفكر به!! ولكن التجارب لا زالت في بداياتها، والسؤال: هل يمكن للعلماء أن يصلوا في يوم من الأيام إلى معرفة كل ما يفكر به الإنسان؟
يقول البرفسور Colin Blakemore يجب ألا نتفاءل كثيراً في هذه المرحلة، لأن التجارب لا تزال في بداية الطريق. ولكن علماء آخرين يقولون إننا سنتمكن من قراءة أفكار ونوايا الناس ومعرفة عواطفهم وما يخططون له!
وعلى كل حال أخي القارئ لا أعتقد أن هذه التجارب ستتطور كثيراً، لأن الله تعالى يقول: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19]. وهذه الآية تؤكد أن الأشياء الخفية في نفس الإنسان لا يعلمها إلا الله تعالى، ولكن قد تتطور التقنيات ويتمكن العلماء من قراءة بعض الأفكار البسيطة في دماغ الإنسان، ولكن لن يتمكنوا مثلاً من معرفة عقيدة الإنسان.
دراسة أمريكية تؤكد أهمية الاستقرار النفسي للأزواج
يؤكد الباحثون أن الزواج غير السعيد يصيب المرأة بأضرار صحية عديدة، فقد قال علماء أمريكيون إن النساء أكثر عرضة للضرر والأذى البدني بسبب ضغوط الزواج وأعباء العلاقات الزوجية وتوتراتها. ووفقا لدراسة جديدة أعلنت عنها الجمعية الأميركية للأمراض النفسية والجسمية في شيكاغو، فإن النساء في منتصف العمر، وليس الرجال، أكثر عرضة للإصابة بالمشاكل الصحية المرتبطة بالتعاسة الزوجية، مثل ارتفاع ضغط الدم والدهون الزائدة حول البطن، وغيرها من العوامل التي تعزز مخاطر الأزمات القلبية والسكري.
ويقول الدكتور نيسا غولدبيرغ طبيب القلب ومدير برنامج صحة المرأة في جامعة نيويورك: إن العلاقة الزوجية السيئة لا تؤثر فقط على السعادة بل على صحة الأزواج أيضاً. وفي الدراسة تابع باحثون، من جامعة يوتاه 276 من الأزواج لمعرفة ما إذا كان الاكتئاب هو السبب الحقيقي وراء كون الزواج التعيس مضرا بالصحة.
ووجد الباحثون أن العلاقات الزوجية التعيسة مضرة بالصحة، على الأقل بالنسبة للمرأة، إذ أن النساء في الزواج غير السعيد أكثر عرضة من غيرهن للاكتئاب، وأكثر استعداداً للإصابة بمتلازمة الأيض وهي مجموعة من عوامل خطرة ترفع ضغط الدم، وتتسبب في تدني مستويات الكولسترول، والبدانة في البطن، وارتفاع نسبة السكر في الدم.
تبين للعلماء أن دماغ الرجل يعالج المعلومات بطريقة تختلف عن دماغ المرأة. حيث أن المناطق التي تنشط في دماغ الرجل تختلف عن تلك التي تنشط في دماغ المرأة، وذلك من أجل المؤثر نفسه. وهذا ما يجعل المرأة أكثر تأثراً بالزواج التعيس. ويؤكد العلماء أن النظام الهرموني في جسم المرأة أكثر تعقيداً من الرجل وأكثر تنوعاً، وإن النساء يقلقن على صحتهن أكثر من الرجل، وتبين بنتيجة الدراسة الجديدة أن النساء أكثر عرضة للتضرر من العلاقة الزوجية المتوترة أو التي تمر بأوقات صعبة. كما أظهرن أنهن أقرب للتعرض لعوارض صحية قد تقود لأمراض خطيرة. وعلى الرغم من أن الدراسة بيَّنت أن الرجال هم أيضاً يمرّون بحالات كآبة وإحباط، لكنهم ليسوا عرضة للأمراض كما هو حال النساء.
تبين لعلماء النفس أن الزوجات في الزيجات المتوترة يصبحن أكثر عرضة لعوارض صحية خطيرة مثل أمراض القلب والجلطات الدماغية والسكري. وفي المقابل تبين للباحثين أن الرجال في نفس العلاقة يتمتعون بمناعة أكبر وهم أقل انكشافاً أمام عوارض صحيَّة مماثلة. ولكن كثرة الجدل والخلاف والغضب، قد يتحول إلى عوارض صحية بدنية ونفسية سيئة للجنسين.
وتقول نانسي هنري الباحثة في علم النفس الإكلينيكي بجامعة يوتا: بالنسبة للرجال الذين يمرون بعلاقات زوجية تعيسة، لم نجد ما يربط تلك التعاسة بأمراض جسمية، ولكنها ارتبطت بأعراض اكتئاب فقط. إن هذه الدراسة لا تعني أن حصول المرأة على الطلاق في زواج تعيس من شأنه بالضرورة تحسين وضعها الصحي.
إنه لا يمكننا أن نقول للمرأة: اتركي زوجك وستكونين بخير.. فهناك الكثير من العوامل الأخرى التي تدخل في هذا الأمر.. منها العادات الصحية على مدى السنوات. حيث أن الغضب والشجار في الزيجات غير الناجحة يمكن أن يزيد من هرمونات التوتر، والتي ترتبط بمقاومة الأنسولين، ما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم وزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكري.
و لذلك يحاول علماء الاجتماع وعلماء النفس أن يقدموا النصائح للرجال بأن يهتموا أكثر بالنساء، وذلك من أجل حياة زوجية سعيدة وأكثر صحة. ففي دراسات كثيرة تبيَّن أن الزواج المستقر والمليء بالرحمة والتعاطف، يؤدي إلى زيادة قدرة النظام المناعي لدى الزوجين ضد الأمراض.
ماذا عن الإسلام واهتمامه بالمرأة؟
أريد أن أتذكر معكم الأمر النبوي الكريم للرجال عندما خاطبهم بقوله: (استوصوا بالنساء خيراً)! انظروا إلى هذا النداء المفعم بالرحمة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجال أن يهتموا بالنساء ويستوصوا بهم خيراً، لأنه يعلم أن المرأة أضعف من الرجل، وبالتالي تحتاج لاهتمام ورعاية أكبر. ونقول: أليس هذا ما يقوله العلماء اليوم؟!
وأريد أن أتذكر أيضاً آية عظيمة خاطب الله بها الرجال أيضاً، فقال لهم: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19]. فتأملوا هذا الأمر الإلهي لكل رجل، وذلك بأن يهتم بزوجته ولا يكرهها فقد يجعل الله فيها الخير الكثير في المستقبل... بالله عليكم: هل يمكن أن يصدر مثل هذا الكلام من رجل يصفونه بالإرهاب والتخلف والجهل!!!
الأثر النفسي السيئ لأكذوبة الأبراج
يقول أحد الخبراء إن ملايين الدولارات تُصرف على برامج التنجيم والتنبؤ بالغيب وتحليل الشخصية ومعرفة المستقبل من خلال ما يسمى الأبراج، وملايين أخرى يتكبدها الناس نتيجة تصديقهم لهذه الأكاذيب. وقد يظهر أحياناً من يسمي نفسه "عالم فلك" ويحاول أن يقنعنا بتأثير النجوم باعتبار أن هذه النجوم تبث أشعة تخترق الغلاف الجوي للأرض وتؤثر على البشر كل حسب تاريخ مولده!
لقد دارت وتدور كل يوم أحاديث كثيرة عن التنجيم والأبراج ومحاولة التنبؤ بالمستقبل الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. فالتنجيم هو عمل يحاول من خلاله المنجمون أن يخبروا الناس بمستقبلهم ويدعون أنهم يعلمون الغيب. ويستعينون ببعض الكواكب والنجوم لإقناع الناس بصدق نبوآتهم. إنهم يدعون أن هذه النجوم والأبراج تؤثر في سلوك البشر وتحدد مستقبلهم، فماذا يقول العلم الحديث في هذا الشأن؟
لو تأملنا المسافات التي تفصلنا عن النجم لوجدناها هائلة الكبر لدرجة لا يتصورها عقل بشري إلا بالأرقام. فأقرب نجم لكوكبنا يبعد عنا أكثر من أربع سنوات ضوئية، أي أن الضوء الصادر من هذا النجم يستغرق أكثر من أربع سنوات لقطع المسافة من هذا النجم باتجاه الأرض. و هذه المسافة تقدر بـ (10) مليون مليون كيلو متر تقريباً، فهل يبقى بعد هذا البعد الشاسع من تأثير لهذا النجم، و هذا حال أقرب النجوم إلينا. فكيف بأبعدها؟
يحاول المنجمون رسم صور توحي بأنهم يتحدثون على أساس علمي ولكن الحقيقة عكس ذلك، وربما نرى المشاكل الكثيرة التي تحدث اليوم بسبب اللجوء إلى الدجالين، وكثير من الناس أصيبوا بالإحباط وخسارة الأموال وكسبوا السيئات نتيجة لجوئهم إلى ما نهى الله ورسوله عنه.
أقرب مجرة إلى كوكبنا هي مجرة الأندروميدا، Galaxy Andromeda أو M31 وهي مجرة تبعد عنا بحدود 2.25 مليون سنة ضوئية، تخيلوا أن الضوء يستغرق أكثر من مليوني سنة ليصل إليها، ولا يصل منه إلا شعاع ضعيف لا يرى إلا بوضوح بالمكبرات، بالله عليكم: كيف يمكن لنجم في هذه المجرة التي تحوي أكثر من مئة ألف مليون نجم أن يؤثر على مصير إنسان؟؟!
الآن نأتي إلى أبعد نجم عن كوكبنا، لقد اكتشف العلماء مؤخراً مجرة تبعد عنا أكثر من عشرين ألف مليون سنة ضوئية. أي أن هذه المجرة تبعد بحدود عشرين ألف مليون مليون مليون كيلو متر! وتأمل معي هذه المسافة الضخمة وهذه المجرة تضم أكثر من مئة ألف مليون نجم!
فإذا كانت المجرة بما تحويه من نجوم لا تكاد ترى أو يُلمس لها أي أثر، فهل من المعقول أن نجماً فيها يؤثر على حياة البشر وتصرفاتهم وعلاقاتهم؟! هناك مجرات تبعد عنا بحدود 20 ألف مليون سنة ضوئية، أي أن ضوء المجرة استغرق 20 ألف مليون سنة حتى وصل إلينا، هذه المجرة لا تُرى بالعين المجردة، ولا يصل منها إلا شعاع ضعيف جداً يحتاج لتكبيره آلاف المرات، ونقول: كيف يتأثر البشر بضوء هذه المجرة؟ وإذا علمنا أن الكون يحوي أكثر من مئة ألف مليون مجرة كهذه، كيف يمكن لكل هذه المجرات أن تؤثر وتتحكم في عواطف البشر وتصرفاتهم؟!
معجزة نبوية
لقد بُعث الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم في زمن طغت فيه الأساطير والخرافات، وكان العلم السائد وقتها هو علم الكهان والعرافين والمنجمين، وقد كان المنجمون في ذلك الزمن أشبه بوكالات الأنباء التي تبث المعلومات الموثوقة!
ولكن النبي الأعظم الذي بعثه الله رحمة للعالمين، صحّح المعتقدات وأنار الطريق ووضع الأساس العلمي للبحث، فلم يعترف بكل هذه الشعوذات بل واعتبر اللجوء إليها كفراً، لذلك فقد نهى البيان النبوي الشريف عن كل أعمال التنجيم حتى إن الرسول صلّى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) [رواه مسلم].
وهنا السؤال لأولئك الذين يدّعون أن النبي كان يطلب الشهرة والمجد والمال: لو كان محمد صلّى الله عليه وسلم ليس رسولاً من عند الله لكان الأجدر به أن يقرَّ قومه على عاداتهم من التنجيم والأساطير والخرافات ويستخدمها لمصلحته، ولكنه نهى عن كل أنواع التنبؤ بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، بل إن الله أمره أن يبلغ قومه أنه هو شخصياً ومع أنه رسول، فإنه لا يعلم المستقبل، بل كل ما جاء به هو وحي من عند الله تعالى، واستمعوا معي إلى قوله تعالى: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) [الأنعام: 50].
الثقب الأسود هو نجم قريب منا وموجود داخل مجرتنا، ولو كان للنجوم أثر على حياة البشر لكانت هذه الثقوب أولى بهذا التأثير، لأنها تملك أوزاناً هائلة (هناك ثقب أسود في مركز مجرتنا يبلغ وزنه ثلاثة آلاف مليون مرة وزن الشمس!!) وعلى الرغم من ذلك لا نرى لها أي تأثير في حياة البشر.
التنجيم والأمراض النفسية
لقد حرّم الإسلام التنجيم والتنبؤات التي لا تقوم على أي أساس علمي، مثل الأبراج والتنبؤ بالمستقبل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى القائل: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 179].
وقد ثبُت علمياً أن هنالك أضرار نفسية جسيمة تسببها كثرة اللجوء إلى مثل هذه التنبؤات، حتى يصبح الإنسان الذي يؤمن بالأبراج وغيرها قلقاً ومضطرباً وينتظر النتيجة المتوقعة. ولكن عندما تأتي النتائج بعكس ما أخبره ذلك المشعوذ فإنه سيُصاب بالإحباط والاكتئاب وهذه أمراض نفسية خطيرة جداً.
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي أرسله الله رحمة للعالمين حرص على كل مؤمن وجعله يرضى بقضاء الله تعالى، وربما نعلم كيف كان الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه الاستخارة كما يعلمهم القرآن.
ومن ضمن دعاء الاستخارة: (اللهم اقدُر لي الخير حيث كان ثم رضني به) فتأمل هذا الدعاء كم هو مريح للمؤمن، حتى يصبح مطمئن النفس، وخالياً من أي اضطراب أو خلل. ويخبرنا علماء النفس اليوم بأن السبب الأول لكثير من الأمراض العصبية والنفسية هو عدم الرضا عن الواقع الذي يعيشه المريض.
يوجد في الكون بلايين المجرات وبلايين البلايين من النجوم، وبلايين السحب من الدخان الكوني، وبلايين النيازك وبلايين الكواكب، وبلايين الثقوب السوداء، وبلايين النجوم النيوترونية الثاقبة، ويوجد أيضاً كميات كبيرة من المادة المظلمة والطاقة المظلمة تعادل 96 بالمئة من حجم الكون، وجميع هذه المخلوقات تبث الأشعة ويصل منها إلى الأرض ما شاء الله، فكيف نهمل كل هذا الكم الهائل ونقول إن نجماً على بعد كذا وكذا يتحكم برزقك وأجلك وعاطفتك!!! ونقول لكل من يقتنع بهذه التنبؤات والأبراج: ما لكم كيف تحكمون!!
كما أن علم النفس الحديث يخبرنا بأن هؤلاء الذين يبنون حياتهم على أساس التوقعات ومحاولة معرفة المستقبل غالباً ما نجدهم يصابون بالصدمات النفسية نتيجة خيبة أملهم في كذب هذه التوقعات، وهذا يولد شيئاً من الإحباط مما يؤدي إلى حالات الاكتئاب.
إن الإنسان الذي ينتظر ماذا تقول له الأبراج يكون في الغالب غير مستقر من الناحية النفسية. وتظهر لديه اضطرابات نفسية عديدة بسبب الترقب الدائم والانتظار لتحقيق شيء ما، فإذا لم يتحقق ما كان ينتظره فإن الغضب والانفعالات النفسية المختلفة سوف تسيطر عليه.
وهذا ما أكده رسول الخير صلّى الله عليه وسلم عندما قال: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) [رواه أحمد]. ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريدنا أن نبني عقيدتنا على أساس علمي بعيداً عن الأكاذيب، وفي هذا ردّ على من يدّعي أن الإسلام دين الأساطير والخرافات، وأنه لا يقوم على أساس علمي!
وهكذا نجد أن الذي يتبع هذه الأكاذيب غالباً ما ينفق الأموال في سبيل معرفة الغيب. إذن عندما نهى الرسول صلّى الله عليه وسلم عن هذا التنجيم إنما حفظ مال المؤمن وحافظ على استقراره النفسي وأبعده عن الجهل والأكاذيب. وصدق الله عندما وصف رسوله بقوله: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) [التوبة: 128] .
إن الحكمة تظهر بشكل مستمر وكلما تطورت العلوم في أحاديث المصطفى صلّى الله عليه وسلم. ولا يزال عدد كبير من الأحاديث الشريفة تنتظر من يتدبّرها ليرى روعة الإعجاز العلمي فيها. فقد حرم الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم وكذلك القرآن أشياء كثيرة مثل النميمة والغيبة والتجسس وأكل مال اليتيم والربا وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والنظر إلى ما حرم الله وغير ذلك كثير. وجميع هذه الأشياء التي نهى عنها الإسلام لا بد أنها تورث صاحبها أمراضاً خطيرة جسدية ونفسية.
انظروا معي إلى هذا النبي الأعظم كيف خاطبه الله بل وأمره أن يخبر الناس بأنه لا يعلم الغيب: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 188]. وانظروا معي إلى أول صفة أطلقها القرآن على المتقين في أول آية تتحدث عنهم وهي الإيمان بالغيب: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، يقول تبارك وتعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة: 3-4]. ومن الإيمان بالغيب أن تؤمن أنه لا يعلم الغيب إلا الله!
تبث الشمس من الأشعة مثل أي نجم آخر بحجمها، ولكن الأشعة الشمسية التي تصل إلى الأرض أكبر ببلايين المرات مما يصلنا من كل النجوم مجتمعة! فلو كان تأثير النجوم صحيحاً لكان الأولى أن ندرس تأثير الشمس على حياة البشر وتصرفاتهم، هذا من جهة ومن جهة ثانية الشمس تؤثر على كل الناس بنفس المقدار، لأن الشمس لا تملك سجلات للمواليد لتقوم بالتأثير على كل إنسان حسب تاريخ ولادته!!! إنها فعلاً سخافات لا تستحق المناقشة، ولكن التبيان مطلوب.
وهكذا نصل إلى نتيجة وهي أن العلم اليوم لا يعترف بأي نوع من أنواع التنبؤ بالغيب إلا ما كان خاضعاً للقوانين الكونية، مثل جريان الشمس ودوران الأرض حول نفسها ومواعيد الكسوف وغير ذلك مما يمكن حسابه بقانون رياضي، أما مستقبل الإنسان فلا يمكن لأحد أن يتنبأ به.
إن الذي يتحكم بمصيرنا في كل لحظة هو الخالق عز وجل، الذي خلق كل ذرة من ذرات هذا الكون، والذي وضع هذه القوانين الفيزيائية، وأحاط بكل شيء علماً وهو القائل: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 59].
الأثر النفسي للابتسامة
قام علماء بدراسة تأثير الابتسامة على الآخرين، فوجدوا أن الابتسامة تحمل معلومات قوية تستطيع التأثير على العقل الباطن للإنسان!
لقد وجدوا أن لكل إنسان ابتسامته الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد، وأن كل ابتسامة تحمل تأثيرات مختلفة أيضاً، وعندما قاموا بتصوير هذه الابتسامات وعرضها بشكل بطيء وجدوا حركات محددة للوجه ترافق الابتسامة، وأن الإنسان نفسه قد يكون له أكثر من نوع من الابتسامة، وذلك حسب الحالة النفسية وحسب الحديث الذي يتكلمه والأشخاص الذين أمامه..
ومن النتائج المهمة لمثل هذه الأبحاث أن العلماء يتحدثون عن عطاء يمكن أن تقدمه للآخرين من خلال الابتسامة، فالابتسامة تفوق العطاء المادي لعدة أسباب:
1- يمكنك من خلال الابتسامة أن تدخل السرور لقلب الآخرين، وهذا نوع من أنواع العطاء بل قد يكون أهمها. لأن الدراسات بينت أن حاجة الإنسان للسرور والفرح ربما تكون أهم من حاجته أحياناً للطعام والشراب، وأن السرور يعالج كثيراً من الأمراض على رأسها اضطرابات القلب.
2- من خلال الابتسامة يمكنك أن توصل المعلومة بسهولة للآخرين، لأن الكلمات المحملة بابتسامة يكون لها تأثير أكبر على الدماغ حيث بينت أجهزة المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي أن تأثير العبارة يختلف كثيراً إذا كانت محملة بابتسامة. مع أن العبارة ذاتها إلا أن المناطق التي تثيرها في الدماغ تختلف حسب نوع الابتسامة التي ترافق هذه المعلومة أو هذه العبارة.
3- بابتسامة لطيفة يمكنك أن تبعد جو التوتر الذي يخيم على موقف ما، وهذا ما لا يستطيع المال فعله، وهنا نجد أن الابتسامة أهم من المال، ولذلك فإن اقل ما تقدمه للآخرين هو صدقة الابتسامة.
4- الابتسامة والشفاء: لاحظ كثير من الأطباء تأثير الابتسامة في الشفاء، وبالتالي بدأ بعض الباحثين بالتصريح بأن ابتسامة الطبيب تعتبر جزءاً من العلاج! إذن عندما تقدم ابتسامة لصديقك أو زوجتك أو جارك إنما تقدم له وصفة مجانية للشفاء من دون أن تشعر، وهذا نوع من أنواع العطاء.
من أجل هذه الأسباب وغيرها فإن الابتسامة هي نوع من أنواع العطاء والصدقة والكرم، والآن عزيزي القارئ هل علمت الآن لماذا قال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة)!!
الأثر النفسي للرضا
هذا هو سيدنا إبراهيم يخاطب ربه بقوله: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة: 260]، إذن يطلب المزيد من الاطمئنان والإيمان. وفي مناسبة أخرى نجد أن الله يوحي لإبراهيم أن يتأمل في السماء والأرض، لماذا؟ ليزداد يقيناً بالله تعالى، يقول تبارك وتعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام: 75].
ولذلك يا أحبتي: هل تشعرون بالحاجة لتأمل خلق الله؟ هل تحسّون دائماً بأنه يجب عليكم أن تحفظوا كتاب الله وتتدبّروا آياته؟ وهل تعتقدون في داخلكم أن القرآن هو أهم شيء في حياتكم؟
أظن بأن الإجابة لا! لأن الإجابة لو كانت بنعم فليس هناك مشكلة، المشكلة أن ظروف الحياة وهموم المجتمع والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد شغلت بالكم وأخذت حيزاً كبيراً من تفكيركم، ولم يعد هناك خلية واحدة في دماغكم تتسع لعلوم القرآن أو علوم الكون.
لذلك إخوتي وأخواتي! أقول لكم ينبغي قبل كل شيء أن تغيروا نظرتكم إلى هذا القرآن، ينبغي أن تعيشوا في كل لحظة مع القرآن، فأنا درَّبتُ نفسي على ذلك حتى أصبحت أحس بسعادة لا توصف. تخيلوا أن إنساناً عندما يرى أحلاماً تكون حول القرآن، وعندما يستيقظ من نومه يفكر في كلام الله، وعندما يجلس في أي مكان يرى من حوله أشياء تذكره بالله تعالى، هل تتصورون أن مثل هذا الإنسان يمكن أن تصيبه الهموم أو المشاكل، والله تعالى ينادي ويقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].
اعلم أيها الأخ الحبيب، وأيتها الأخت الفاضلة، أن مجرد الاستماع إلى القرآن هو جهاد في سبيل الله!! وأن مجرد التأمل في خلق الله هو جهاد أيضاً، وأن تدبر القرآن هو جهاد، واعلم أن أكبر أنواع الجهاد على الإطلاق الجهاد بالقرآن، كيف؟ أن تتعلم آية من القرآن مع تفسيرها وإعجازها ثم توصلها إلى من يحتاجها من المؤمنين أو غيرهم! هذا هو الجهاد الذي أمر الله نبيه بتطبيقه في بداية دعوته إلى الله فقال له: (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [الفرقان: 52]، قال ابن عباس: أي بالقرآن.
وكيف يكون الجهاد بالقرآن؟ من خلال تعلم معجزاته وعجائبه وإيصالها للآخرين، حاول أن تتعلم كل يوم آية واحدة فقط مع تفسيرها العلمي، بما أننا نعيش في عصر العلم، ثم فكر بطريقة إيصالها لأكبر عدد ممكن من الناس، وانظر ماذا ستكون النتيجة!
إن الإحساس بأنك كنت سبباً في هداية إنسان هو أهم إحساس تمر به، فهو يعطيك نوعاً من القوة والثقة بالنفس، بل ويعطيك قدرة خفية على النجاح في الحياة، وهذا الكلام عن تجربة طويلة.
إن علماء النفس اليوم يعترفون بأن معظم الاضطرابات النفسية التي يعاني منها كثير من الناس إنما سببها "عدم الرضا" عدم الرضا عن الواقع، عدم الرضا عن المجتمع، عدم الرضا عن الزوجة أو الزوج أو الرزق أو الحالة الصحية .... ويؤكد العلماء "علماء البرمجة اللغوية العصبية" أن الأفراد الأكثر رضاً عن أنفسهم وواقعهم هم الأكثر نجاحاً في الحياة.
والعجيب أخي القارئ أن النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام علمنا كيف نرضى ونقنع أنفسنا بالرضا كل يوم! فقد كان النبي يقول: (رضيت بالله تعالى رباً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً)، من قالها حين يمسي وحين يصبح كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة!! سبحان الله!
فإذا كان الله سيرضي قائل هذه الكلمات يوم القيامة وهو في أصعب المواقف، ألا يرضيه في الدنيا؟ وتأملوا معي كيف يركز النبي عليه الصلاة والسلام على فترة المساء والصباح (حين يمسي وحين يصبح)، لماذا؟
لقد كشف علماء النفس أن العقل الباطن يكون في أقصى درجات الاتصال مع العقل الظاهر قبيل النوم وبعيد الاستيقاظ، ولذلك فإن هاتين الفترتين مهمتين جداً في إعادة برمجة الدماغ والعقل الباطن، وعندما نردد هذه العبارة: (رضيت بالله تعالى رباً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً)، إنما نعطي رسالة لدماغنا بضرورة الرضا عن النفس وعما قسمه الله لنا، فالرضا بالله يعني الرضا بكل ما قدره الله من رزق وقضاء وقدر وغير ذلك من أحداث تتم معنا في حياتنا اليومية.
والرضا عن الدين الذي اختاره الله لنا وهو الإسلام يعني الشيء الكثير، فهو يعني أننا سنكون من الفائزين يوم القيامة إن شاء الله، وأن مشاكل الدنيا مهما كانت كبيرة فإنها تصبح صغيرة بأعيننا إذا تذكرنا نعمة الإسلام علينا وإذا تذكرنا أن الإسلام لا يأمرنا إلا بما يحقق لنا السعادة، وهذا يعني أننا ينبغي أن نلتزم بتعاليم هذا الدين الحنيف.
إن الرضا عن كتاب الله تعالى يعني أن نقتنع بكل ما جاء فيه، وأن تصبح آيات القرآن جزءاً من حياتنا وأن نرضى به شفاء لنا، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57]. ويعني أن نفرح برحمة الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
والرضا عن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يعني أن نرضى به نبياً ورسولاً ورحمة وشفاء لنا، ويعني كذلك أن نطبق كل ما أمرنا به عن قناعة ومحبة وأن ننتهي عن كل ما نهانا عنه.
بالنتيجة أحبتي إذا أردتم أن تشعروا بالسعادة في كل لحظة من حياتكم، فما عليكم إلا أن تتوجهوا إلى الله بإخلاص، أن تتوكلوا على الله في كل أعمالكم، أن تسلموا الأمر كله لله، وأن تضعوا همومكم ومشاكلكم بين يدي الله تعالى فهو القادر على حلها... أن تحسوا بأن الله قريب منكم بل أقرب من أنفسكم إليكم، أن تغيروا نظرتكم إلى الله تعالى وتقدّروا هذا الخالق العظيم حقّ التقدير، أن تستيقنوا بأن الله يرى كل حركة تقومون بها ويسمع كل همسة أو كلمة تتحدثون بها ويعلم كل فكرة تدور في رأسكم...
هذا هو بنظري الطريق نحو الرضا عن النفس والرضا عن الله والسعادة الحقيقية، وسوف تصبح كل عبادة تقومون بها هي مصدر للسعادة، وسوف تصبح كل آية تقرؤونها مصدراً لحلاوة الإيمان، اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا ونور صدورنا وذهاب همومنا ومشاكلنا.
الأثر النفسي للصدقة
في عصر المعلومات الذي نعيشه اليوم نرى كثيراً من الناس لا يقتنعون بالعلاج النبوي الشريف، بحجة أن العلم قد تطور ويجب أن نلجأ دائماً للأطباء. ولكننا نرى بالمقابل أن الغرب الملحد قد بدأ باكتشاف وسائل علاجية جديدة تعتمد على الكلام فقط مثل البرمجة اللغوية العصبية.
فمن أهم أساليب هذه البرمجة أن يسترخي المريض ويكرر عبارة مثل "يجب أن أقاوم هذا المرض لأنه باستطاعتي التغلب عليه"، وقد لاحظ علماء البرمجة أن هذه المعلومة إذا ما كررها الإنسان عدة مرات وبخاصة قبل النوم وعند الاستيقاظ فإنها تساهم في شفاء هذا المريض وتجعل جسمه أكثر مقاومة للمرض، والسؤال كيف يحدث ذلك؟
إن المعلومة التي تحملها هذه العبارة وغيرها من العبارات تؤثر في خلايا الدماغ وخلايا الدماغ تعتمد في عملها على المعلومات أيضاً، بل إن جسم الإنسان بأكمله عبارة عن شبكة معلومات دقيقة جداً، وإن أي خلل في نظام عمل هذه الشبكة سيؤدي إلى ظهور الأمراض.
ولذلك نجد أن كتب البرمجة اللغوية العصبية اليوم هي الأكثر مبيعاً في العالم بسبب الفوائد التي يجنيها قراء هذا النوع من الكتب، ولكن ربما نعجب إذا علمنا أن النبي الكريم هو أول من وضع أساساً لهذا العلم، فلو تأملنا تعاليمه صلى الله عليه وسلم وجدناها بمثابة إعادة برمجة لحياة الإنسان بالكامل.
يقول علماء البرمجة اليوم إن الصدقة ضرورية جداً أي أن تعطي المال لمن يحتاجه، فذلك سيجعلك تشعر بالقوة وأنك تقدم شيئاً مفيداً وسوف يمنحك إحساس بالراحة النفسية، وهذا الإحساس ضروري لكي تزيد من مناعة جسمك.
إذ أن جهاز المناعة يتأثر كثيراً بالحالة النفسية للإنسان، فكلما كانت الحالة النفسية أكثر استقراراً كان جهازك المناعي أقوى وكانت مقاومتك للمرض أكبر، وكلما كان حالتك النفسية مضطربة وغير مستقرة فإن مناعة جسمك تنخفض بشكل كبير.
ولذلك يمكننا القول إن الصدقة هي معلومة أيضاً، تصل إلى الدماغ وتمارس عملها الإيجابي، بعكس الفيروسات التي هي عبارة عن أشرطة معلومات تصل إلى خلايا الجسم وتمارس عملها بشكل تدميري، فالفيروس لا يملك أسلحة أو معدات أو مواد كيميائية أو عناصر حية، كل ما لديه شريط المعلومات (د.ن.آ) أو(ر.ن.آ)، وهذا الشريط يعطي تعليمات للخلية لتصنع فيروسات جديدة، مما يؤدي إلى تكاثر الفيروسات وانفجار الخلية.
الفيروس عبارة عن شريط معلومات يحيط به غلاف، وكل ما يقوم به الفيروس هو التدخل في برنامج الخلية والسيطرة عليه وتسخيره لمصلحة هذا الفيروس، ويستخدم الفيروس شريط المعلومات الذي لديه من أجل تحقيق ذلك، وبالتالي تحدث الأمراض التي قد تنتهي بالموت.
قوة الخلية هنا تعتمد على قوة البرنامج الذي تحمله، هذا البرنامج يمكن تقويته من خلال معلومات نغذي بها خلايانا باستمرار، ومن هذه المعلومات "الصدقة"، فإنك عندما تتصدق وتعطي المال للفقير، أو تنفذ عملاً لإنسان محتاج، أو حتى عندما تبتسم لأخيك، فإن الدماغ يتلقى معلومة ويعالجها داخل خلاياه، هذه المعلومة تساهم في تغذية جهاز المناعة وتطوير عمل الخلية.
ويمكنني عزيزي القارئ أن ألجأ إلى تشبيه بسيط لتقريب فهم آلية عمل الصدقة داخل الجسم، وأضرب لك مثلاً من جهاز الكمبيوتر الذي تستعمله، ألا يحتاج بشكل دائم إلى تحديثات وتطويرات لتحسين أدائه؟ الكمبيوتر الذي يحوي برامج ضعيفة من السهل اختراقه والسيطرة عليه، بينما الكمبيوتر الذي يحوي برامج متطورة ويتم تحديثها باستمرار يصعب اختراقه أو السيطرة عليه.
ولذلك اعتبر النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أن الصدقة تداوي المرض، بل تدفع عنا أعراض هذا المرض، يقول عليه الصلاة والسلام: (داووا مرضاكم بالصدقة فإنها تدفع عنكم الأمراض والأعراض) [رواه الديلمي].
ولذلك أخي الحبيب عندما يشتد المرض بك أو بأحد معارفك فانصحه بأن يكثر من الصدقة، وإنفاق المال، والصدقة لا تقتصر على إنفاق المال، بل إن تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأن تزيح الأذى عن الطريق صدقة، وأن تتكلم كلمة طيبة صدقة، وأن تؤدي خدمة لمن يحتاجها صدقة......
ولا تنس بالطيع الأجر العظيم الذي ينتظرك يوم القيامة، فأنت عندما تتصدق بما يقابل قيمة تمرة واحدة، فإن الله يتقبلها وينمّيها لك حتى تجدها أمامك يوم القيامة بحجم الجبل، هذا في الآخرة وفي الدنيا فإن هذه الصدقة هي تصرف نبيل منك يتلقاه دماغك على أنه شيء إيجابي يساهم في شفائك من الأمراض وتحسين حالتك النفسية بل ومنحك القوة.
الأثر النفسي للدعاء
لقد كان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم كثير الدعاء حتى لا تمر لحظة إلا ويدعو ربه، والحقيقة إن الذي يتعمق في حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام يلاحظ أشياء عجيبة. فقد كان أكثر دعائه: (اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) هذا هو حال خير البشر وأعظم الخلق، يطلب من ربه أن ينجيه من عذاب يوم القيامة!!!
هذا الدعاء يا أحبتي ليس مجرد كلمات، بل له معاني كثيرة، وكأن الرسول يذكر نفسه في كل لحظة بيوم القيامة وعذاب الله، كأنه يشاهد الجنة والنار في كل لحظة، فيستعيذ بالله من شر جهنم ويسأل الله الجنة، وكأنه أيضاً يطلب من ربه أن ينجيه من أي نوع من أنواع العذاب، ونتساءل: هل المرض نوع من أنواع العذاب؟
هنالك دعاء عظيم يسبب لك السعادة المطلقة في الدنيا والآخرة، ويصرف عذاب المرض في الدنيا والآخرة، وهو: (اللهم إني أسألك العافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة) فإذا دعوت بهذا الدعاء كل يوم فإن النبي الكريم يقول لك: فإذا أُعطيتَ العافية في الدنيا وأُعطيتَها في الآخرة فقد أفلحتَ [رواه الترمذي]!!
فهذا دعاء عظيم من أجل صرف الأمراض وإبعادها والتمتع بالعافية، وقد جرَّبتُ هذا الدعاء حيث أدعو به كل يوم مراراً وتكراراً ووجدتُ أن الحالة النفسية والصحية تتحسن بشكل كبير. ولذلك أنصح كل أخ وأخت أن يدعو بهذا الدعاء ويكرره لما له من تأثير مذهل على صحة الإنسان. علاج للمشاكل الصحية والاقتصادية
كلمات قليلة كان يقول عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن هؤلاء تجمع لك خير الدنيا والآخرة، فما هي هذه الكلمات؟ إنها: (اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني) [رواه مسلم]. انظروا معي كم تحوي هذه الكلمات من فوائد:
1- المغفرة: وهذه أول خطوة قبل استجابة الدعاء، لأن الله تعالى يريد أن تصلح العلاقة معه عز وجل، وتتوب إليه وترجع عن ذنوبك ليغفر لك أولاً ثم تبدأ الخطوة الثانية.
2- الرحمة: وهي أعظم نعمة يمن الله بها علينا أن يرحمنا في حياتنا وفي أولادنا، فيصرف عنا الأوبئة والأمراض، ويسخر لنا الخيرات، وأهم شيء ألا يعذبنا في الدنيا والآخرة.
3- الهداية: هل هناك أجمل من أن يهديك الله في كل شأنك؟ فإذا درست مادة لتنجح فيها سخر لك الله أسباب الهداية للنجاح، وإذا زرت طبيباً للعلاج سخر الله لك الطبيب المناسب وهداك للدواء المناسب للشفاء، وإذا خطبت امرأة هيَّأ الله لك أسباب الهداية إلى زوجة صالحة تعينك على خيري الدنيا والآخرة...
وهكذا الهداية في تجارتك وفي تعاملك وفي مشاكلك يهديك الله للحل المناسب...
4- العافية: وهي أن يعافيك الله في بدنك وفي صحتك وفي عقلك وفي حالتك النفسية وفي أفكارك فلا يدخل فيها الشيطان، ويعافيك من كل شر من المحتمل أن يصيبك، ويعافيك من شر الحوادث والأضرار وغير ذلك، وكل هذا ببركة هذا الدعاء.
5- الرزق: أن يرزقك الله من حيث لا تحتسب، فيسخر الله لك أسباب الرزق وأسباب المعيشة الطيبة، ويسخر لك المال الحلال، ويهيء لك المنزل المبارك ويرزقك أولاداً صالحين، ويرزقك زوجة صالحة تكون سبباً في دخولك الجنة إن شاء الله.
علاج الإحباط والاكتئاب بدعاء واحد
يؤكد علماء النفس والأطباء أن معظم الأمراض النفسية وحالات الانتحار وأمراض الاكتئاب والإحباط خصوصاً إنما تعود أسبابها لشيء واحد وهو عدم الرضا عن الواقع والظروف المحيطة وعدم الرضا عن النفس. والعلاج سهل يا أحبتي، فقد علمنا النبي الكريم دعاءً عظيماً، ألا وهو: (رضيت بالله تعالى رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً) [رواه أحمد].
فمن قال هذا الدعاء ثلاثاً حين يصبح وثلاثاً حين يمسي كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة!! يا لها من كلمات قليلة ولكن نتيجتها كبيرة جداً، ألا تحب أخي القارئ أن يرضيك الله يوم القيامة؟
هذا الدعاء كنتُ أقوله مباشرة عندما أتعرض لموقف صعب فيه نوع من الإحباط، وبخاصة في بداية رحلتي مع القرآن عندما كنتُ أواجه عالماً "تقليدياً" لأستشيره في اكتشاف جديد من القرآن منَّ الله به عليَّ كما في موضوع الإعجاز الرقمي، فأجده يقول قبل أن يقرأ البحث: لماذا لا تبحث عن عمل آخر؟ فكنتُ أدعو بهذا الدعاء فأحس بحلاوة الإيمان، وأقول لابد أن يسخر الله لهذا العلم من ينشره إذا كان فيه الخير والنفع، وسبحان الله! تُفتح أبواب كثيرة أمامي لدرجة أنني أفرح كثيراً بعد أن كنتُ "محبطاً" لولا هذا الدعاء وغيره.
العلاج الوقائي لكل شر
هنالك دعاء مهم جداً وأذكر أنني منذ أن تعلمته لم أتركه أبداً، وكان هذا الدعاء سبباً في دفع الكثير من الضرر عني. هذا الدعاء هو: (بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) [رواه ابن ماجة]. وكان النبي الكريم يقول عن هذا الدعاء: من قاله ثلاثاً إذا أصبح وثلاثاً إذا أمسى لم يضره شيء!!
وقد قمتُ بتجربة بسيطة وهي أنني سألتُ مئات الناس ممن تعرضوا لمشاكل وأخطار وحوادث، وقلتُ لهم: هل قال أحدكم هذا الدعاء أي (بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) وصدِّقوني لم أجد واحداً قالها من بين هؤلاء جميعاً.
من هنا نؤكد أن هذا الدعاء مناسب جداً فلا نتركه أبداً، فإذا كان حبيب الله وهو الذي يعيش في رعاية الله وحفظه والله قد عصمه وأيده بنصره والملائكة تحفُّه والله معه في كل لحظة وعلى الرغم من ذلك كان لا يترك هذا الدعاء، فما بالنا نحن؟
الأثر النفسي للصلاة على النبي
وهذه طريقة أخرى للعلاج أيضاً أن تصلي على النبي الكريم كلما خطر ببالك، وأن تصلي عليه بنية الشفاء، وتكرر الصلاة عليه وستجد حلاوة في قلبك لا يمكن أن يصفها إلا من ذاقها، هذه الصلاة تجعلك قريباً من النبي عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة، فهل هنالك أجمل من أن يكون الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام شفيعاً لك يوم القيامة عندما يتخلى عنك حتى أقرب الناس إليك؟ إنها كلمات بسيطة وبسيطة جداً لن تأخذ منك أكثر من ربع دقيقة! ولكن نتيجتها أن الرسول عليه الصلاة والسلام سيكون قريباً منك يوم القيامة ويشفع لك. وهو أن تقول صباحاً (10) مرات، ومساءً (10) مرات: (اللهم صلِّ على سيدنا محمد) وقد كان النبي الأعظم يقول: (من صلى عليّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة) [رواه الطبراني].
علاج للهم والحزن والضيق
لقد كان الرسول الأعظم يدعو بالقرآن، ففي كتاب الله تعالى آيات محددة لأمراض محددة، ومن بين هذه الآيات آية عظيمة لا زال النبي الكريم يرددها كلما تعرض لأي همّ أو كرب أو ضيق، وكان يقول عنها: من قالها حين يصبح وحين يمسي سبع مرات، كفاه الله ما أهمّه من أمر الدنيا والآخرة، إنها: (حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلتُ وهو ربُّ العرش العظيم) [التوبة: 129].
فأنت عندما تدعو بهذه الآية إنما تعطي معلومة أو أمراً لدماغك أن يلجأ إلى الله فهو يكفيه، وكأن هذه الآية تذكرك بأن همومك مهما كانت عظيمة فالله أعظم (وهو ربُّ العرش العظيم) ومهما تعرضت لمشاكل ومواقف صعبة في حياتك، فإن الله يكفيك هذه الهموم فهو حسبك أي يكفيك لا حاجة لتلجأ معه إلى أي مخلوق: (حسبي الله) أي: الله يكفيني، أخي القارئ جرِّب هذا الدعاء سبع مرات صباحاً ومساءً، وانظر كيف ستتغير الأمور إن شاء الله.
علاج للمشاكل الاقتصادية
وهذا دعاء عظيم إذا حفظته وكررته باستمرار وبأي عدد تشاء فإن الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام يؤكد لك أنه: لو كان عليك مثل جبل ديناً أدّاه الله عنك!!!! والدعاء هو: (اللهم اكفِني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمَّن سواك)، فما أحوجنا لمثل هذا الدعاء وبخاصة في عصرنا هذا، حيث الغلاء وارتفاع الأسعار وقلة الأموال، إن هذا الدعاء سييسر لك الرزق الحلال وهذا أهم شيء، فما فائدة الأموال إذا كانت تجلب علينا غضب الله؟
لذلك انظروا معي كيف ركَّز النبي في دعائه أول شيء على الحلال: (اللهم اكفِني بحلالك) ثم على الغنى (وأغنني بفضلك) فكأنما يريد أن يبث لك رسالة: إذا كنتَ تأكل مالاً حراماً فأسرع وابتعد عنه والجأ إلى الله ليرزقك الرزق الحلال، فمتى أصبح رزقك حلالاً أغناك الله بعد ذلك من فضله.
أحبتي في الله! صدقوني بفضل هذه الأدعية وببركة حفظ القرآن والإكثار من قراءته أصبحتُ في حالة من السعادة لا يمكن وصفها، لدرجة أنني لا أعاني من أي هم أو ضيق، وإذا حصل ذلك فلا يستمر إلا لدقائق معدودة ثم يزول بفضل القرآن والدعاء. بل إن الله سيسخر لك بفضل هذه الأدعية كل شيء، وبشكل لا يتصوره عقل، طبعاً هذه تجربتي أحببتُ أن أقدمها لكم، فمن أحب أن يستفيد منها فليجربها، وحتى من لم يقتنع بها فليجرب شيئاً منها، ليس هناك أي تكلفة لهذه التجربة، على الأقل تكون قد اقتديت بنبيك الأعظم صلى الله عليه وسلم.
الأثر النفسي للخشوع
يظن المؤمن أحياناً أن الله أمرنا بالخشوع فقط لنتقرب إليه، ولكن الدراسات العلمية أظهرت شيئاً جديداً حول ما يسميه العلماء "التأمل"، ولكن هذا التأمل هو مجرد أن يجلس المرء ويحدّق في جبل أو شمعة أو شجرة دون حركة ودون تفكير. ووجدوا أن هذا التأمل ذو فائدة كبيرة في معالجة الأمراض وتقوية الذاكرة وزيادة الإبداع والصبر وغير ذلك.
ولكن القرآن لم يقتصر على التأمل المجرد، بل قرنه بالتفكر والتدبر وأخذ العبرة والتركيز على الهدف، وسماه "الخشوع" وكان الخشوع من أهم العبادات وأصعبها لأنه يحتاج لتركيز كبير، وهكذا فإن كلمة "الخشوع" تدل على أقصى درجات التأمل مع التفكير العميق، وهذا الخشوع ليس مجرد عبادة بل له فوائد مادية في علاج الأمراض واكتساب قدرات هائلة ومتجددة.
الخشوع والقلب
أظهرت دراسة جديدة نشرتها مجلة جمعية القلب الأمريكية أن التأمل لفترات طويلة ومنتظمة يقي القلب من الاحتشاء أو الاضطراب. ويعمل التأمل على علاج ضغط الدم العالي وبالتالي تخفيف الإجهاد عن القلب. ولذلك قال تعالى مخاطباً المؤمنين: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) [الحديد: 16].
كما أظهرت هذه الدراسة أن للقلب عملاً مهماً وليس مجرد مضخة، وتؤكد الدراسات أهمية التأمل والخشوع في استقرار عمل القلب، ويقول الأطباء اليوم إن أمراض القلب هي السبب الأول للموت في العالم، وسبب هذه الأمراض هو وجود اضطراب في نظام عمل القلب، ومن هنا ندرك أهمية الخشوع في استقرار وتنظيم أداء القلب.
إن الدراسات تثبت اليوم أن التأمل يعالج الاكتئاب والقلق والإحباط، وهي أمراض العصر التي تنتشر بكثافة اليوم. ليس هذا فحسب بل وجدوا أن التأمل المنتظم يعطي للإنسان ثقة أكثر بالنفس ويجعله أكثر صبراً وتحملاً لمشاكل وهموم الحياة. يقول تبارك وتعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. وهكذا إخوتي وأخواتي! إذا أردتم أن تبعدوا عنكم اضطرابات القلب فعليكم بالخشوع ولو للحظات كل يوم.
الخشوع وعلاقته بالموجات التي يطلقها الدماغ
لقد وجد العلماء أن دماغ الإنسان يصدر ترددات كهرطيسية باستمرار، ولكن قيمة الترددات تتغير حسب نشاط الإنسان. ففي حالة التنبه والنشاط والعمل والتركيز يطلق موجات اسمها "بيتا" وهي ذبذبات يتراوح ترددها من 15 إلى 40 ذبذبة في الثانية (هرتز)، وفي حالة الاسترخاء والتأمل العادي يطلق الدماغ موجات "ألفا" ويتراوح ترددها من 9 إلى 14 ذبذبة في الثانية، أما في حالة النوم والأحلام والتأمل العميق فيعمل الدماغ على موجات "ثيتا" وهي من 5-8 هرتز، وأخيراً وفي حالات النوم العميق بلا أحلام يطلق الدماغ موجات "دلتا" وقيمتها أقل من 4 هرتز.
نستطيع أن نستنتج أن الإنسان كلما كان في حالة خشوع فإن الموجات تصبح أقل ذبذبةً، وهذا يريح الدماغ ويقوِّيه ويساعد على إصلاح الخلل الذي أصابه نتيجة مرض أو اضطراب نفسي مثلاً، لذلك يعتقد بعض الباحثين أن الانفعالات ترهق الدماغ وبالتالي يقصر العمر، بينما التأمل يريح الدماغ ويطوِّل العمر!
إن أهم موجات يبثها الدماغ هي تلك الموجات ذات التردد المنخفض، والتي تعتبر وسيلة شفائية للجسد بسبب تأثيرها على خلايا الجسم والنظام المناعي، وبالتالي فإن التأمل وبكلمة أخرى "الخشوع" يعتبر وسيلة فعالة لتوليد هذه الموجات والتي تؤثر إيجابياً على خلايا الدماغ وتعيد برمجته وتصحيح الخلل الحاصل في برنامج عمل الدماغ، إن ممارسة الخشوع يعتبر بمثابة تهيئة وتنظيم وتقوية لعمل الدماغ.
الخشوع يزيد حجم الدماغ
قام باحثون من كلية هارفارد الطبية حديثاً بدراسة التأثير المحتمل للتأمل على الدماغ فوجدوا أن حجم دماغ الإنسان الذي يُكثر من التأمل أكبر من حجم دماغ الإنسان العادي الذي لم يعتد التأمل أو الخشوع، ولذلك هناك اعتقاد بأن التأمل يزيد من حجم الدماغ أي يزيد من قدرات الإنسان على الإبداع والحياة السليمة والسعادة.
فقد وجدوا أن قشرة الدماغ في مناطق محددة تصبح أكثر سمكاً بسبب التأمل، وتتجلى أهمية هذه الظاهرة إذا علمنا أن قشرة الدماغ تتناقص كلما تقدمنا في السن، وبالتالي يمكن القول: إن التأمل يطيل العمر أو يبطئ تقدم الهرم!
كما أظهرت هذه الدراسة (William J. Cromie, Harvard University) أنه كلما كانت مدة التأمل أكبر كان التأثير أوضح على الدماغ من حيث الحجم واستقرار عمل الدماغ، أي أن هناك علاقة بين التأمل وحجم وسلامة الدماغ. طبعاً هذا التأثير على الدماغ يحدث بفعل التأمل فقط، ولكن الخشوع يعطي نتائج أكبر، ولكن للأسف لا توجد تجارب إسلامية في هذا المجال!
الخشوع يخفف الآلام الجسدية والنفسية
بعد فشل الطب الكيميائي في علاج بعض الأمراض المستعصية، لجأ بعض الباحثين إلى العلاج بالتأمل بعدما لاحظوا أن التأمل المنتظم يساعد على تخفيف الإحساس بالألم، وكذلك يساعد على تقوية جهاز المناعة.
وفي دراسة جديدة تبين أن التأمل يعالج الآلام المزمنة، فقد قام بعض الباحثين بدراسة الدماغ لدى أشخاص طُلب منهم أن يغمسوا أيديهم في الماء الساخن جداً، وقد تم رصد نشاط الدماغ نتيجة الألم الذي شعروا به، وبعد ذلك تم إعادة التجربة مع أناس تعودوا على التأمل المنتظم، فكان الدماغ لا يستجيب للألم، أي أن التأمل سبّب تأثيراً عصبياً منع الألم من إثارة الدماغ.
وهكذا نستطيع أن نستنتج أن الخشوع يساعد الإنسان على تحمل الألم بل وتخفيفه بدرجة كبيرة. وهو أفضل وسيلة لتعلم الصبر، وعلاج فعال للانفعالات، فإذا كان لديكم مشكلة نفسية مهما كان نوعها، فما عليكم إلا أن تتأملوا كل يوم بمعجزة من معجزات القرآن مثلاً، أو تستمعوا لآيات من القرآن بشيء من التدبر، أي تعيشوا في جو الآيات، عندما تسمعون آية عذاب تتخيلون نار جهنم وحرّها، وعندما تستمعون لآية نعيم تتخيلون الجنة وما فيها من نعيم، وهكذا كانت قراءة النبي عليه الصلاة والسلام للقرآن.
يحوي دماغ الإنسان أكثر من عشرة آلاف تريليون وصلة عصبية، وهذه الوصلات تصل أكثر من تريليون خلية بعضها ببعض، وتعمل كأعقد جهاز على وجه الأرض.
ويقول العلماء إن خلايا الدماغ تحتاج للتأمل والتفكر دائماً لتستعيد نشاطها بل لتصبح أكثر فاعلية، وإن الأشخاص الذين تعودوا على التفكر العميق في الكون مثلاً هو الأكثر إبداعاً!!
وهنا ندرك أهمية قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 190-191].
الخشوع والعاطفة
لاحظ بعض العلماء عندما أجروا مسحاً للدماغ بالرنين المغنطيسي الوظيفي fMRI أن الإنسان الذي يتعود على التأمل، يكون أكثر قدرة على التحكم بعواطفه، وأكثر قدرة على التحكم بانفعالاته، وبالنتيجة أكثر قدرة على السعادة من غيره!
بل بيَّنت التجارب أن التأمل يساعد على التحكم بالغريزة الجنسية لدى الجنسين، كذلك فإن التأمل يؤدي إلى تنظيم عاطفة الإنسان وعدم الإسراف أو التهور في قراراته، لأن التأمل ينشط المناطق الحساسة في الدماغ تنشيطاً إيجابياً بحيث يزيل التراكمات السلبية والخلل الذي أصاب هذه الأجزاء نتيجة الأحداث التي مر بها الإنسان.
الخشوع لعلاج الأمراض المستعصية
هناك مراكز خاصة في الغرب تعالج المرضى بالتأمل، ويقولون إن التأمل يشفي من بعض الأمراض التي عجز الطب عنها، ولذلك تجد اليوم إقبالاً كبيراً. وكلما قرأتُ عن مثل هذه المراكز أقول سبحان الله! ألسنا نحن أولى منهم بهذا العلاج، لأن القرآن جعل الخشوع والتأمل والتفكر في خلق الله عبادة عظيمة، وانظروا معي كيف مدح الله عبادة المتقين فقال: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 190-191].
ولذلك يا إخوتي إذا كان لدى أحدكم مرضاً مستعصياً أو مزمناً، فما عليه إلا أن يجلس كل يوم لمدة ساعة مع معجزة من معجزات القرآن في الفلك أو الطب أو الجبال والبحار وغير ذلك ويحاول أن يتعمق في خلق الله وفي عظمة هذا القرآن، وهذه الطريقة أعالج بها نفسي من بعض الأمراض وكذلك من أي مشكلة نفسية، ولذلك أنصح كل مؤمن أن يلجأ إلى هذه الطريقة في العلاج.
الخشوع والناصية
وجد العلماء أن ناصية الإنسان أي الجزء الأمامي من الدماغ تنشط بشكل كبير أثناء التأمل والتفكير العميق والإبداعي، هذه المنطقة من الدماغ هي مركز القيادة أيضاً لدى الإنسان ومركز اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية. ولهذا الجزء من الدماغ أثر كبير على سلوكنا وعواطفنا واستمرار حياتنا.
ولذلك نجد أن النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام ركَّز على هذا الجزء في دعائه لربه فكان يقول: (ناصيتي بيدك) أي يا رب لقد أسلمتك ناصيتي وهي مركز القيادة والقرارات والسلوك، وأنت توجهها كيف تشاء. كذلك فإن أحد أساليب العلاج بالقرآن أن تضع يدك على منطقة الناصية ثم تقرأ آيات من القرآن بخشوع فيكون لها تأثير أكبر.
يؤكد العلماء أن المنطقة المسؤولة عن الكذب والخطأ في الدماغ هي المنطقة التي تقع في مقدمة الدماغ أو (الناصية) وهي مسؤولة عن اتخاذ القرارات الهامة ومسؤولة عن التوجه والسلوك، وهذه المنطقة هي ذاتها المسؤولة عن الإبداع والخشوع عند الإنسان، وبالتالي يمكن القول إن المؤمن عندما يمارس الخشوع في عباداته وفي عمله وفي تفكره وتدبره لكتاب ربه، وحتى في علاقاته الاجتماعية، فإن هذه المنطقة أي الناصية تتنشط وتصبح أكثر قدرة على الإبداع وعلى توجيه الجسد وعلى اتخاذ القرارات الصحيحة، وبالتالي على درء الكذب، إذن الخشوع يساعد على الصدق!! وهذا ما أشار إليه القرآن في آياته، مثلاً دعاء سيدنا هود عليه السلام: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود: 56].
الخشوع والوساوس
وجد الدكتور Newberg بعد إجراء العديد من التجارب على رهبان بوذيين يتأملون كل يوم لمدة ساعة، أن المنطقة الأمامية من دماغهم تتنشط أثناء التأمل، أما المناطق الخلفية من الدماغ فلا تقوم بأي نشاط يُذكر. وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة المسؤولة عن الوساوس موجودة في الجانب الخلفي للدماغ، وبالتالي يمكن الاستنتاج بأن التأمل والخشوع يعالج الوسواس.
كذلك فإن الإحساس بالتوجه المكاني ينخفض عند الذي يمارس التأمل، وهذا يقودنا للاستنتاج بأن الخشوع يؤدي إلى تخفيف الشعور بالبيئة المحيطة وبالتالي فإن أي خلل نفسي سببه البيئة (مثل الأصدقاء أو الأهل أو المجتمع) سوف يزول بتكرار التأمل. كما تبين من بعض الدراسات الحديثة أن التأمل يزيد الذاكرة ويقوي الانتباه عند الإنسان، ولذلك فقد يكون هذا الأسلوب مفيداً لأولئك الذين يعانون من ضعف الذاكرة.
الخشوع والفصام
عندما درس بعض الباحثين أدمغة لأناس أصيبوا بالفصام (schizophrenia) وجدوا أن الفص الأمامي للدماغ يكون أصغر من الشخص السوي، واستنتجوا الأثر الكبير للنشاط الذي يتم في هذه المنطقة الحساسة من الدماغ أي منطقة الناصية على مثل هذا المرض.
ولذلك يمكننا القول إن الخشوع يعالج الانفصام في الشخصية بشكل أكثر فعالية من أي دواء كيميائي، لأن الخشوع والتفكر ينشط هذا الجزء بشكل كبير ويعدل الخلل الحاصل فيه. إذن انفصام في الشخصية يمكن أن يسبب خسارة في خلايا الدماغ تصل إلى 10 % من حجمه، ويمكن تعويض هذه الخسارة بقليل من الخشوع كل يوم!
الخشوع والصلاة
يؤكد القرآن على الدور الكبير للخشوع في المحافظة على الصلاة، لأن كثيراً من المسلمين لا يلتزمون بالصلاة على الرغم من محاولاتهم المتكررة إلا أنهم يفشلون في المحافظة عليها لأنهم فقدوا الخشوع. ولذلك يقول تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة: 45]. وهكذا يتبين الدور الكبير للخشوع في الصلاة، ولذلك ربط القرآن بين الصلاة والخشوع. والعجيب أن القرآن في هذه الآية ربط بين الصبر والخشوع، وقد وجد العلماء بالفعل أن التأمل يزيد قدرة الإنسان على التحمل والصبر ومواجهة الظروف الصعبة!
هناك بعض العلماء الأمريكيين أجروا تجارب على أناس يصلّون (على طريقتهم طبعاً) فوجدوا أن الصلاة لها أثر كبير على علاج اضطرابات القلب، وعلى استقرار عمل الدماغ. ولذلك نجد أن القرآن جمع لنا كلا الشفاءين "الصلاة والخشوع" فقال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 1-2].
كيف نمارس الخشوع في حياتنا اليومية؟
إنه القرآن! هو الوسيلة الرائعة لممارسة الخشوع لله تعالى، وهنا ينبغي أن نصحح الفكرة السائدة أن الخشوع يكون في الصلاة فقط أو في قراءة القرآن، والصواب أن الخشوع هو منهج يعيشه المؤمن كل لحظة كما كان أنبياء الله يفعلون، فإذا تأملنا حياة الأنبياء عليهم السلام نلاحظ أنها مليئة بالخشوع، بل كانوا في حالة خشوع دائم، وهذا ما أعانهم على التحمل والصبر على الأذى والاستهزاء وكان هذا الخشوع سبباً في استجابة دعائهم، ولذلك قال تعالى عنهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90]. وتأملوا معي عبارة (وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) فهي توحي بأن هؤلاء الأنبياء الكرام كانوا في حالة خشوع دائم، ولذلك لابد أن نقتدي بهم في حياتنا، ولكن كيف ذلك؟
فالمؤمن الحقيقي يكون في حالة خشوع في صلاته وعندما يتصدق تجده يتفكر في هذه الصدقة وعندما يزور مريضاً يفكر في أهمية هذه الزيارة فيطلب من الله أن يبعد عنه الأمراض. وعندما يتعامل مع الناس في بيع وشراء وتجارة يحس بأن الله يراقبه ويراه فلا يغش ولا يكذب ويكون صدوقاً ليُحشر يوم القيامة مع الصديقين.
عندما يتعرض الشاب المؤمن لفتنة أو يكون على وشك أن ينظر إلى ما حرم الله، يتذكر على الفور أن الله يراه ولا يرضى عن ذلك، فيبتعد عن هذه المعصية ابتغاء وجه الله، ويحس وقتها بنوع من لذة وحلاوة الإيمان.
عندما يرى المؤمن شيئاً يكرهه من زوجته أو العكس ويدرك أن الله يأمره أن يعاشرها بالمعروف ولا يؤذيها وأن النبي أمره أن يستوصي بها خيراً، عند ذلك يبتعد عن إيذائها ويكون أكثر صبراً عليها، فهذا هو الخشوع.
عندما يتعرض المؤمن لمرض أو لظروف صعبة، أول شيء يقوم به هو الدعاء واللجوء إلى الله تعالى. ويدرك أن الله تعالى هو الذي ينفع ويضر وهو الذي بيده الخير هو الذي يشفي وهو الذي يرزق هو الذي بيده مفاتيح الخير كلها، هذا هو الخشوع الحقيقي...
ولذلك فإن الخشوع هو نتيجة العمل الصالح والدعاء والمسارعة في الخيرات، فإذا أردت أن يرزقك الله نعمة الخشوع وأن تكون مستجاب الدعوة كما استجاب الله لأنبيائه وهم في أصعب الظروف، فعليك أن تبحث عن الخيرات وتسارع فيها، لا تنتظر حتى يأتي إليك من يحتاج المال لتعطيه، بل اذهب أنت وسارع للإنفاق، وهكذا. وأن تتذكر هذه الآية وتحفظها مثل اسمك لترددها كل يوم، بل في كل موقف: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90].
ولذلك يا أحبتي ...
ربما بعد هذه الحقائق نعلم لماذا ألهم الله نبيه وحبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم قبل البعثة الشريفة أن يذهب إلى غار حراء ويخلو بنفسه، ليتأمل في خلق هذا الكون ويتفكر في عظمة الخالق تبارك وتعالى، لأن هذه المرحلة ضرورية جداً لتعطيه القدرة على الصبر والتحمل ليحمل أعباء أعظم رسالة على وجه الأرض.
وربما ندرك أيضاً لماذا كانت عبادة الحج تطهر الإنسان فيرجع كيوم ولدته أمه نقياً، لأن عبادة الحج قائمة أساساً على التأمل والخشوع والتفكر في خلق الله وبخاصة الوقوف بعرفة وهو الركن الأساسي لعبادة الحج. لأن رحلة الحج هي فترة للنقاهة والعلاج بالنسبة للمؤمن إذا عرف كيف يستثمر كل لحظة في طاعة الله تعالى.
وربما ندرك لماذا كان الأنبياء أكثر الناس صبراً، لأنهم كانوا يمارسون عبادة الخشوع في كل شيء، طبعاً هذا في الدنيا ولكن في الآخرة هناك من الأجر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، يقول تعالى: (وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ...) ماذا أعد الله لهم؟ يقول تعالى: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 35].
البرمجة الإيجابية في تربية الرسول الكريم
يقول أحد علماء البرمجة اللغوية العصبية متحدثاً عن مدى تأثير الرسائل السلبية على تربية الطفل: "إنك تتلقى من أبويك أكثر من 100 ألف رسالة سلبية على شكل كلمة (لا)، أو (لا تفعل ذلك)، أو (لمَ فعلت ذلك)، وذلك في السنوات العشر الأولى من عمرك".
تأمل أخي القارئ كم يؤثر هذا الحجم الضخم من التعليمات السلبية التي يتلقّاها الطفل خلال مرحلة طفولته، وكم تترك من أثر سلبي على شخصيته وذكائه. فالعلماء يعتبرون أن كل كلمة (لا) يتلقاها الطفل من أحد والديه هي بمثابة رسالة سلبية سوف تؤثر عليه حين يكبر، لأن هذه الرسالة يتم اختزانها في العقل الباطن للطفل، وترافقه طيلة حياته.
إن كثرة هذه الرسائل كما يؤكد العلماء يؤدي إلى عزلة هذا الطفل أحياناً، وأحياناً إلى أن يصبح انفعالياً، وقد تؤثر هذه الرسائل السلبية على ذكاء ومستقبل هذا الطفل، ولذلك بدأ العلماء اليوم يهتمون بأسلوب جديد في التربية قائم على البرمجة الإيجابية للطفل منذ ولادته.
هذا الأسلوب الإيجابي لا يقول للطفل لا تفعل، أو لماذا فعلت، ولماذا لم تفعل، بل يشجع الطفل دائماً على التجربة، ويعلمه كيف يتصرف بشكل صحيح.
إن هذا الأسلوب الجديد بالنسبة للعلماء، ليس جديداً بالنسبة لمعلم العلماء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم!! فقد كان هذا النبي الكريم يوجّه كمية كبيرة من الرسائل الإيجابية أثناء تربيته وتعليمه للأطفال.
فهذا هو سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يحدثنا عن المنهج النبوي في التربية، فيقول: خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، فلم يقل لشيء فعلته لم فعلت كذا، أو لشيء لم أفعله لمَ لمْ تفعل كذا!!!
وسبحان الله! عشر سنوات ولم تصدر من هذا النبي الكريم رسالة سلبية واحدة!! إن هذا الأمر يدل على أن أول من استخدم أسلوب البرمجة الإيجابية في التربية هو محمد صلى الله عليه وسلم! ولكن ماذا يدل ذلك؟ إنه يدل على رحمة ورأفة هذا النبي الكريم بمن حوله، ويدل أيضاً على صدق كلام الله تعالى عندما وصفه بقوله: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].
لقد كان النبي الأعظم حريصاً على سلامة الطفل وتربيته وعدم إيذائه ولو بكلمة، فالعلماء يقولون إن الكلمات والتعليمات التي يتلقاها الطفل الصغير يكون لها أكبر الأثر في شخصيته في المستقبل، وإن دماغ الطفل يتأثر أكثر بكثير من دماغ الكبير، وسؤالنا لكل من يستهزئ بهذا النبي الكريم: ألا تظنون بأن نبيَّنا قد سبق علماءكم إلى التربية الإيجابية التي تفتخرون أنتم اليوم بأنكم من اكتشفها؟
هذا يا أحبتي هو رسول الله! وهذه هي عظمة الإسلام، ولكننا قصرنا في حق هذا النبي الرحيم عليه الصلاة والسلام، لقد قدم لنا كل شيء ولكن للأسف لم نقدم له شيئاً يُذكر، طبعاً الله أكرمه ورفعه ويكفيه أن الله تعالى خالق الكون ورب البشر قد قرن اسمه باسمه فلا يُذكر اسم الله إلا ومعه اسم الحبيب الأعظم: (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
ما هو الفرق بين النفس والروح؟
عندما يتحدث الله عن الروح يقول تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85]. وعندما يتحدث عن النفس يقول: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران: 185]. وهذا يعني أن النفس تموت ولكن الروح هي أمر لا يعلمه إلا الله وعلمنا قليل أمام علم الله تعالى.
ويمكننا أن نقول إن الروح هي الطاقة التي بثها الله في خلقه من كائنات حية على وجه الأرض، فتحركها وتجعلها تتكاثر وتجعل الخلايا تنقسم، وعندما تموت الخلية فإن هذه الطاقة المحركة تكون قد استنفذت. ويمكن أن نتخيل الروح على أنها ذبذبات غير مرئية ولا يمكن قياسها ولا إدراكها بأي جهاز، ولكن يمكن أن نرى نتائج وجودها. هذه الذبذبات الروحية هي التي تحرك الخلايا وتدفعها للانقسام والاستمرار في حياتها.
ولكن النفس هي الهالة التي تحيط بالجسم وتلتصق به ولا تغادره إلا أثناء النوم وعند الموت. وهذا التصور استنتجته من قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر: 42]. فالنفس يتوفاها الله تعالى أي يأخذها ويعيدها إليه عندما ينام الإنسان، ثم تعود لتلتصق به لحظة الاستيقاظ، وتتم العملية بسرعة فائقة يمكن أن تكون أسرع من الضوء.
والنفس توسوس للإنسان وتحرضه على فعل السوء، يقول تعالى: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) [يوسف: 53]. طبعاً هذا بالنسبة لإنسان بعيد عن الله، ولكن المؤمن يعمل من خلال قلبه على تطهير هذه النفس وضبطها حتى تصبح نفساً مطمئنة، هذه النفس المطمئنة تعود إلى الله بعد الموت: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر: 27-30].
وإنني أتوقع لو أن العلماء بحثوا عن النفس لوجدوها لأنه لا يوجد في القرآن ما يمنع من اكتشاف النفس، على عكس الروح التي أكد الله على أنها أمر خاص به.
والخلاصة فإن الإنسان عبارة عن جسد مؤلف من خلايا مادية مكونة من ذرات ولكن وجود الروح بين هذه الذرات يجعلها حية تتكاثر وتنمو وتعيش. والنفس هي التي توجه هذا الجسد بما يحمله من روح كما يوجه السائق سيارته، فإما أن يقودها إلى بر الأمان وإما أن يهوي بها في وادٍ سحيق، والله أعلم
البرمجة اللغوية العصبية: هل تتفق مع ديننا الحنيف؟
في الحقيقة إن من وضع أسس البرمجة اللغوية العصبية Neuro Linguistic Programming هم أناس غير مسلمين. فقد قام جون غزندر ورتشارد باندلر بوضع أسس هذا العلم، واعتمدوا فيه على شيء واحد وهو بعض التجارب الناجحة بنظرهم، ولكن ما هو مقياس النجاح لديهم؟ إنهم ينظرون إلى أي إنسان جمع المال الكثير على أنه ناجح بغض النظر عن الطريقة التي جمع فيها هذا المال! ينظرون لأي إنسان مشهور حتى ولو كان يتعاطى المخدرات على أنه إنسان ناجح ويتخذونه قدوة لهم، وهنا تكمن خطورة هذا العلم وواجب التنبيه على ذلك.
فلو أخذنا مثالاً من القرآن وهو "قارون" الذي أهلكه الله بسبب طغيانه فإنهم سيعتبرونه نموذجاً ناجحاً جداً لأنه جمع أموالاً تعجز الجماعات القوية عن حملها، ولكن الله تعالى ليس بحاجة إلى هذا المال، إنه يريد شيئاً منا ألا وهو طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. إذن البرمجة اللغوية العصبية NLP بشكلها الحالي هي علم ناقص ولا بد من دراسة لنجاح أناس فقراء نجحوا اجتماعياً ونفسياً. إن علماء البرمجة يتحدثون عن أهم هدف من أهدافها وهو الحصول على الاطمئنان والاستقرار النفسي.
ولكن الشيء المؤكد أنه لا يوجد اطمئنان خارج ذكر الله تعالى، والدليل على ذلك هو قول الله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. انظر معي إلى هذه الآية كم يمكن أن تعالج من أمراض يعجز الأطباء عن علاجها! هل يستطيع علماء البرمجة أن يمنعوا إنساناً من الخوف من الموت؟؟؟ بالتأكيد لا لأنهم ليس لديهم معلومات عن الحالة التي سيمر بها الإنسان بعد الموت.
إن هذه الآية بكل بساطة تعطي المؤمن كميات كبيرة من الاطمئنان والاستقرار النفسي حتى عندما يفكر بالموت. لقد أخبرنا علماء البرمجة عن أناس نجحوا وتفوقوا في حياتهم عبر التاريخ، ولكنهم لم يخبرونا ما هو وضعهم الآن بعدما ماتوا!
إن المبادئ الصحيحة في البرمجة الغوية العصبية موجودة في القرآن والسنة منذ زمن بعيد، ولذلك فإنني أقترح على إخوتي من المهتمين والباحثين والقراء أن يردّوا هذا العلم إلى أصوله الإسلامية، وأن يعلموا أن كل قاعدة صحيحة يكتشفها العلماء لابد أن نجد لها ذكراً في كتاب الله تعالى الذي قال: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام: 38].
ولذلك يمكن القول بأن البرمجة الموجودة في القرآن شاملة وكاملة وتغطي جميع مراحل الإنسان سواء الحياة الدنيا أو مرحلة الموت أو الآخرة. والآن إخوتي وأخواتي في الله ما رأيكم بهذا الكلام وهل توافقون على وجود مساوئ لهذا العلم؟
الأثر النفسي للألوان
مما لاشك فيه أن للألوان تأثيراً نفسياً واضحاً، فكل لون له تردد خاص به، ومن خلال تردده يؤثر على العين، ولذلك عندما نرى لوناً محدداً فإن ترددات هذا اللون تنتقل عبر العين إلى الدماغ وتؤثر على خلايا الدماغ بشكل مختلف عن لون آخر. والألوان لها تأثير على شخصية الإنسان، ويمكن أن تحلل شخصية المرأة أو الرجل من خلال حبه لألوان محددة ومدى تفاعله معها (وتبقى المسألة نسبية). والحقيقة لا توجد دراسات علمية موثقة حتى الآن حول التأثير النفسي المؤكد على جميع البشر، ولكن هناك ملاحظات يراها الباحثون، ويعتبر التفاعل مع الألوان عملية معقدة جداً لم يتم تفسيرها حتى الآن، ولذلك تعتبر الألوان آية محيرة من آيات الخالق تبارك وتعالى أمرنا أن نتفكر فيها لندرك ونتذكر أن هذا الكون لم يأت عن طريق المصادفة: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) [النحل: 13].
اللون الأحمر
لوحظ تأثير فيزيولوجي للون الأحمر حيث يؤدي التعرض لهذا اللون لفترة طويلة إلى زيادة ضغط الدم. وهو يملك تأثيراً على مختلف غدد الجسم، وبالتالي ينشط خلايا الجسم ويرفع طاقتها. وإذا قمنا بتخفيف اللون الأحمر ليصبح زهرياً فإن تأثيره سيقل. والذي يتأمل الطبيعة يلاحظ أن الله تعالى اختار ألواناً محددة لنباتات محددة بما يتناسب مع خصائص هذه النباتات.
اللون البرتقالي
يؤكد بعض الباحثين أن هذا اللون مرتبط بنظام المناعة للجسم حيث يؤدي التعرض للضوء البرتقالي لزيادة مناعة الجسم، بسبب توافق الاهتزازات الخاصة بالخلايا المناعية مع ترددات اللون البرتقالي.
اللون الأصفر
بعض الباحثين يربط بين نشاط الدماغ وبين هذا اللون فاللون الأصفر ينشط خلايا الدماغ، أما الأثر النفسي فإن اللون الأصفر يزيد من السرور لدى الإنسان، وهناك من الباحثين من يربط اللون الأصفر بالخوف أو الموت، ولكن ليس لديهم دليل علمي على ذلك سوى ما يعبر عنه بعض الناس.
اللون الأخضر
وهناك بعض الآراء تؤكد على أن اللون الأخضر مفيد للقلب. ويساعد على التنفس بعمق. وهو لون يساعد على إعادة التوازن لخلايا الجسم. وهذا اللون يدخل على الإنسان السرور والبهجة، ولذلك نجد الأطباء في العمليات الجراحية يرتدون هذا اللون لتخفيف الألم عن مرضاهم، ولمنحهم الإحساس بالبهجة والسرور.
اللون الأزرق
يساعد على تخفيض ضغط الدم، وله تأثير مسكن للجسم وهو لون الهدوء، وهو ينشط الغدة النخامية ويساعد على النوم بعمق ويقوي نخاع العظام. وهناك وجهات نظر تؤكد على أن اللون الأزرق يساعد على الإبداع.
اللون البنفسجي
يساعد على هدوء الغضب وهو مرتبط بالاضطرابات العاطفية حيث يساعد على التخفيف منها. ويعتبر هذا اللون من أهم الألوان في الاستقرار العاطفي وإحداث تغيير في حياة الإنسان، وبالطبع قد نجد أناساً لا يتأثرون بالألوان! هذا أمر طبيعي، وبالمقابل نجد أناساً لديهم حساسية فائقة تجاه الألوان، يتذوقونها ويتفاعلون معها، مثل تفاعلهم مع الموسيقى مثلاً.
اللون البني
يؤكد بعض الباحثين أن اللون البني هو لون الاستقرار. ويمنح الإنسان بعض الهدوء والعودة للطبيعة، حيث نجد أن لون التراب يميل للون البني، وبالتالي هذا اللون يذكرك بالبساطة ويزيد من الإحساس بالتواضع – طبعاً المسألة نسبية تختلف من شخص لآخر حسب الحالة النفسية وحسب المعتقدات لديه.
اللون الأسود
هو لون سلبي وغير مفيد في العلاج ويقلل النمو. واللون الأسود هو رمز للوقار عند بعض الناس، وهو رمز للحزن عند آخرين، ولكن الإسلام لا يقر بذلك، لأن هذه الألوان هي نعمة من نعم الخالق عز وجل، وجميعها يكمل بعضها بعضاً. ولا يمكن الاستغناء عن أي واحد منها.
اللون الأبيض
هو اللون الذي يجلب الراحة والسلام ويبدد اليأس! ولذلك يفضل لمن يجد في نفسه اليأس والاكتئاب أن يحاول ارتداء قميص أبيض مثلاً، أي يدخل اللون الأبيض في جزء من لباسه،
ليس بالضرورة أن يكون لباسه أبيض بالكامل ولكن يكفي التنويع.
اللون وسيلة للتذكر والتفكر
أخي القارئ! هل فكرت يوماً أن تتأمل الزهور التي خلقها الله لنتأملها؟ هل نظرت أو دققت النظر في الألوان الزاهية لزهرة جميلة؟ وهل تساءلتَ من الذي أعطى هذه الزهور ألوانها؟ تأمل معي الآيات السابقة لتجد أن الله تعالى ربط اختلاف الألوان بالتذكر فقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) وربطه كذلك بالتفكر فقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وربطه بالعلم فاختلاف الألوان يحتاج لعلماء يدرسوا هذه الظاهرة ليدركوا عظمة الخالق تبارك وتعالى.
ولذلك قال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) وخُتمت الآيات بأن هذه المعجزة (معجزة اختلاف الألوان) هي تذكرة لأولي العقول والألباب، فقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ). ويؤكد الباحثون أن ظاهرة اختلاف الألوان هي ظاهرة محيرة ومذهلة، فكيف يمكن لزهرة أن تنظم هذه السلسلة الرائعة والمتناسقة من الألوان؟ ومَن الذي ينظم عملها؟ ومن أين جاءتها التعليمات لترسم هذه التناسقات اللونية المبهرة؟
والجواب ببساطة: إنه الله تعالى القائل: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر: 24].
العلاج بالألوان
بما أن اللون هو تردد لموجة كهرطيسية فإننا نستطيع باستخدام لون محدد تعديل ترددات الجسم وهذه فكرة العلاج بالألوان. لأن كل واحد منا لديه مجال كهرطيسي ينشره حول جسده، ويتأثر هذا المجال بألوان الملابس والألوان المحيطة بنا، ولذلك تجد الإنسان عندما يكون في نزهة بين الأشجار يحس براحة نفسية بسبب انعكاس الترددات الخضراء على جسده.
وهنا نتذكر آية عظيمة تشير إلى أهمية البهجة والسرور في حياة الإنسان من خلال النظر إلى الطبيعة الخضراء، يقول تعالى: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل: 60]. أي أن الحدائق هي مصدر البهجة والفرح والسرور، وربما نعجب إذا علمنا أن بعض الباحثين في دول الغرب يعالجون مرضاهم (وبخاصة مرضى الاكتئاب) بالنظر إلى النباتات والطبيعة الخضراء.
ماذا يحدث عندما تختفي الألوان؟
إن الألوان نعمة من الله تعالى ويجب أن نشكره عليها، فلو كان العالم يظهر أمامنا باللونين الأسود والأبيض لسبّب ذلك القلق والإحباط والخوف للناس، فالألوان مصدر للفرح والتفاؤل. ومن الطرق المستخدمة في السجون من أجل نزع الاعتراف من خلال وضع السجين في غرفة ذات لون واحد فاقع مثلاً مثل الأحمر فيُصاب بنوع خطير من أنواع الاكتئاب مما يجبره على الاعتراف بالحقيقة من أجل التخلص من هذه الحالة. وبالفعل لو كان العالم بلون واحد أو لونين لكان أشبه بسجن كبير! فانظروا إلى هذه النعمة العظيمة التي لا ندركها إلا عندما نفقدها.
اللون الأصفر بين السرور والموت
يقول تعالى: (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا) [الزمر: 21]. لقد ذُكر اللون الأصفر في القرآن خمس مرات، وارتبط بأمرين الأول هو السرور، والثاني هو الموت، أو بعبارة أدق المرحلة التي تسبق الموت. فاللون الأصفر الباهت علامة على الموت ونهاية الحياة، ولكن وسبحان الله فإن اللون الأصفر الفاقع هو علامة السرور والفرح، ولذلك قال تعالى في سورة البقرة: (إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) [البقرة: 69]. فتأملوا كيف كان اللون الأصفر وسيلة للسرور (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ).
يقول تبارك وتعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا) [الأنعام: 99]. يؤكد بعض الباحثين أن اللون الأخضر يدل على الحياة، يقول تعالى: (وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ) [يوسف: 43]. فاللون الأصفر الباهت هو علامة الموت، أما اللون الأخضر هو علامة الحياة (وربما نجد هذه الإشارات في عالم الأحلام!).
وأخيراً.....
إن معجزات القرآن في عالم الأنفس لا تنتهي، ولذلك قال تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21]. فالهدف من هذه المعجزات ليس مجرد أن نقول إن القرآن سبق علماء النفس، نعم هذا هدف عظيم، ولكن هناك هدف أعظم ألا وهو أن نتفكر ونبصر هذه الآيات لنقوّي إماننا ونزداد ثقة بالله عز وجل، عسى أن نكون من الذين قال الله تعالى في حقهم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال: 2-4].
المراجع
3. كتاب "قوة عقلك الباطن: تأليف الدكتور جوزيف ميرفي ترجمة وطباعة دار جرير للنشر.
4. كتاب "لا تهتم بصغائر الأمور" للدكتور ريتشارد كارلسون، ترجمة وطباعة دار جرير للنشر.
5. كتاب "كيف تكون الشخص الذي تريد" للكاتب ستيف تشاندلر، طباعة وترجمة دار جرير للنشر.
6. كتاب: "قوة التحكم بالذات" للدكتور إبراهيم الفقي، المركز الكندي للتنمية البشرية.
14. مجموعة من الدراسات منشورة على مجلة: Journal of Happiness Studies
15. Forgivingness and Satisfaction with Life, Journal of Happiness Studies, Sep, 2003.
35. "Results of the first multicenter trial of intercessory prayer, healing touch in heart patients." Duke University. July 14. 2005.
36. Astin, John A. Ph.D., et al. "The efficacy of 'distant healing': A systematic review of randomized trials." Annals of Internal Medicine. June 6, 2000. annals.highwire.org/cgi/reprint/132/11/903.pdf
37. Dusek, Jeffrey A. Ph.D. "Study of the therapeutic effects of intercessory prayer (STEP) Study design and research methods."
43. arabic.cnn.com/2008/scitech/12/25/praying.healthy/index.html
44. Carrington, Dr. Hereward, Fasting For Health And Long Life.
45. Salloum, T. Fasting - Patient Guidelines Textbook of Natural Medicine, Bastyr University, Seattle WA. 1987.
46. Masoro, E.J., Shimokawa, I., Yu, B.P., Retardation of the Aging Process In Rats by Food Restriction, Annals of the New York Academy of Science, 1990; pp. 337-52; Goodrick, C.L., Ingram, D.K., Reynolds, M.A., Freeman, J.R., Cider, N.L., Effects of Intermittent Feeding Upon Growth, Activity, and Lifespan In Rats Allowed Voluntary Exercise, Experimental Aging Research, 1983; 9: 1477-94.
50. Matts Roos, Introduction to Cosmology, John Wiley and Sons, 2003.
51. Michael Rowan-Robinson, Cosmology, Oxford University Press, 1996.
52. Malcolm S. Longair, The Cosmic Century, Cambridge University Press, 2006.
56. What is the function of the various brainwaves?,
www.sciam.com, December 22, 1997.
57. Ned Herrmann, The Creative Brain.
59. Meditation found to increase brain size,
www.physorg.com, January 27, 2006.
60. Areas of the brain activated during meditation, Washington Post, June 17, 2001.
61. Can Brain Scans See Depression?, The New York Times Company, October 18, 2005.
62. Brain Imaging Study of TM, RADIOLOGY TODAY, August 4th, 2003.
63. Agoston, G. (1987), Color Theory and Application in Art and Design, Berlin: Springer.
64. Byrne, A. and Hilbert D. (2003), ‘Color Realism and Color Science', Behavioural and Brain Sciences, 26: 3-21.
65. Campbell, J. (1994), ‘A Simple View of Color’, in Haldane, John, and Wright, Crispin (eds.) (1994), Reality, Representation and Projection, Oxford: Clarendon Press, pp. 257-69.
66. Hilbert, D. R. (1987), Color and Color Perception, Stanford, Calif.: C.S.L.I.
67. Kaiser P.K. and Boynton R.M. (1996), Human Color Vision, (2nd edition) Washington: Optical Society of America.
68. Thompson, Evan (1995), Color Vision, London: Routledge.