رواية صرخة يتيمة الفصل الثاني 2 بقلم سيد داوؤد المطعني
الطفلة صابرين على الرصيف، في الشارع، بعد نص الليل، حاسة بحد بيطبطب على دراعها كأنه بيصحيها..
بترفع راسها، شافت كلب أبيض بيخبطها بوشه على دراعها، كأنه بيقول لها خلاص خلاص بلاش تبكي، بلاش عياط..
في اللحظة اللي مرات خالها بتطردها فيها من بيتها بعد نص الليل .. تلاقي الكلب هو اللي بيطبطب عليها..
صابرين شافت الكلب، صرخت .. آاااااااااااااااااء ..
قامت من مكانها، بتجري منه، الكلب واقف مكانه، مش بيتحرك، بيبص عليها من بعيد..
صابرين بتصرخ .. بتجري في الشارع ..
الكلاب شافتها بتجري، راحت كلها قامت تجري وراها..
صابرين بتجري، والكلاب بتجري وراها..
الكلب الأبيض جري وراها بأقصى سرعة، وكأنه رايح يحميها، بيديها ضهره، وبيوقف يواجه كل الكلاب اللي جاية ناحيتها..
المسكينة متعرفش مكان تجري عنده من الكلاب إلا بيت خالها..
للأسف راحت عند بيت خالها تاني..
دخلت العمارة ... صعدت على السلم .. وصلت شقة خالها..
ونامت قدام باب الشقة، في مشهد مليان بالبؤس واليتم.
الطفلة صابرين نايمة على البلاط، لكن النوم سلطان، مش بيفرق بين النايم على البلاط ولا النايم على ريش النعام..
نامت المسكينة قدام باب الشقة، ومرات خالها جوة نايمة هي وعيالها على السرر المفروشة..
نامت المسكينة على البلاط، ومفيش ذنب ارتكبته في حياتها غير إنها يتيمة الأب، ومنزوعة الام.
نامت المسكينة في عز براءتها وطفولتها على البلاط، لأن مرات خالها تجردت من كل معاني الإنسانية.
عينها راحت في النوم، وسافرت مع الأحلام .. زيها زي أي طفل نايم في حضن أمي على سرير مفروش بفرش نضيف..
شافت حلم غريب..
رواية صرخة يتيمة الفصل الثاني بقلم سيد داوؤد المطعني
شافت نفسها واقفة عند باب العمارة، وأبوها جاي بالعربية الميكروباص من بعيد، بيضرب لها كلاكسات، بيزمر لها بالعربية..
وكلاكس العربية بيعزف ويقول " بيب .. بيب .. صابرين .."
صابرين بتجري على أبوها، اللي بينزل من العربية بيضحك، ماسك في إيده عروسة لعبة، وبيفتح دراعاته علشان يحضن صابرين..
أبوها شالها وضمها لصدره في الحلم، وهي بتحضن العروسة اللعبة..
دخل بيها جوة البيت، وكانت أمها بتفضي لها مكان العروسة اللعبة في الدولاب بتاعها..
أبوها قاعد وهي حاضنة العروسة..
_ قوليلي يا صابرين .. اشتري لك ايه تاني غير العروسة..
_ انا مش عايزة حاجة .. أنا عايزة انتي متمشيش تاني بعيد، عايزاك تقعد على طول هنا، ومتعملش حادث وتموت .. علشان إلهام مرات خالي بتضربني لما تموت تموت بالميكروباص..
(عيون أبوها بتدمع في الحلم، وبيبوسها)
_ حاضر يا حبيبتي مش هموت تاني، ومش همشي تاني..
(صابرين هجمت على أبوها تحضنه وتبوسه، فرحانة بالوعد اللي وعده لها انه مش هيموت تاني)
_ أنا بحبك أوي يا بابا
_ وانا بحبك يا روح بابا
_ وبحب ماما أوي .. ومش بحبها تروح السجن الوحش ده
_ من النهاردة .. ماما مش هتروح السجن الوحش تاني
_ وتخلي مرات خالي إلهام هي اللي تروح السجن.
_ حاضر .. هنخلي إلهام تروح السجن.
_ ونجيب عيال خالي هنا يقعدوا معانا ونجيب لهم أكل كتير وعرايس كتير.
_ هنجيب لهم كل حاجة..
(صابرين بتحضن أبوها تاني)
رواية صرخة يتيمة الفصل الثاني - سيد داوؤد المطعني
المسكينة نايمة .. في دنيا تانية .. في حياة تانية .. بتسبح بأحلامها في الملكوت ... أكيد قلبها وعقلها الباطن بيتمنوا إن الحلم يطول .. متصحاش منه أبدا.
نايمة بتتقلب على البلاط، والقطط بتتخانق على بواقي أكل في باسكيت زبالة الشقة اللي قصاد شقة خالها.
خناقة كبيرة بين القطط..
قطة منهم نطت فوق صابرين، خلتها تقوم مفزوعة..
القطة حرمتها من النوم، حرمتها من الحلم الجميل اللي كانت عايشة فيها..
القطة نطت عليها علشان تحرمها من أبوها تاني .. وتحرمها من أمها .. وتحرمها من بيتهم، وتحرمها من العروسة اللعبة اللي كان أبوها جايبها لها..
بتبص حواليها بمنتهى البراءة، مش شايفة حتى القطط، اللي نزلوا يجروا ورا بعض..
بصت ع الباب المقفول .. نفسها تخبط على مرات خالها تفتح لها .. بس الخوف مانعها..
قعدت على السلم، ودفنت راسها بين ركبتينها، وبدأت تعيط من تاني..
وفي نهاية المطاف غلبها النوم .. ونامت على السلم مكانها..
خالها راجع من الشغل الصبح بدري .. شافها كده على السلم، نايمة نومة مش مرتاحة..
بدأ يسقف على إيديه، يضرب كف على كف .. ويقول:
_ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ... الله يخرب بيتك يا إلهام وبيت جحودك..
(بدأ يهز صابرين، يصحيها من النوم ... وطلع المفتاح من جيبه، وفتح بيه الباب في حدود الساعة سبعة الصبح)
كانت إلهام بتفطر ولادها .. اللي لابسين هدوم المدارس وكل واحد مجهز شنطته علشان ينزلوا مدارسهم.
_ ينفع يا إلهام البنت تنام ع السلم كده.
_ البنت دي هتموتني ... هتجيب لي الشلل .. ايه اللي خلاها تنام على السلم .. حد زعلها .. بنت أختك دي ممثلة .. بتعرف تمثل دور اليتيمة صح الصح علشان الناس تشفق عليها
_ تمثل دور اليتيمة؟ ده على أساس إنها مش يتيمة .. حرام عليكي يا إلهام.
_ بقولك ايه يا عبده! بلا حرام بلا حلال .. متحسسنيش إني أنا اللي خليتها تنام على السلم.
(إلهام بتبص على صابرين بعيون شرانية .. فيها رعب وتخويف)
_ أنا اللي خليتك تنامي على السلالم برة يا بنت؟
(صابرين خايفة ... بدأت تهز راسها بالنفي .. يعني لأ)
_ تؤتؤ .. أنا اللي نمت لوحدي يا مرات خالي.
(عبده مش قادر يتكلم، حاسس انها السبب ... أخد البنت من إيدها ونزل بيها)
_ رايح فين يا عبده؟
_ رايح في ستين ألف داهية.
_ داهية تاخدك وتاخد وشك راجل فقري على الصبح.
رواية صرخة يتيمة كاملة بقلم سيد داوؤد المطعني
خالها عبده أخدها ونزل بيها جري، مش عارف نفسه هيروح بيها فين؟
هيعمل ايه؟
هيتصرف ازاي؟
لو راح بيها أي دار أيتام هيلاقي توبيخ من مسئولين الدار .. أكيد هيقولوله لما انت خالها مش بتقوم بالواجب ناحيتها ليه..
أخدها ومشى بيها لحد ما وصل الحارة اللي جنب حارتهم..
دخل عمارة .. اتفتح له باب شقة قديمة في الدور الأرض..
العمارة كانت متهالكة .. والفيران بتجري تحت بير السلم، وحاجة تخوف..
صابرين بتبص حواليها مرعوبة..
_ احنا رايحين فين يا خالي؟
_ رايحين عند ناس قرايبنا..
_ قرايبنا زي طنط إلهام.
(عبده بيمتص شفايفه من الغضب والخجل مع بعض .. مش عارف يرد على البنت)
بدأ يخبط على الباب .. مفيش جرس .. مفيش أي امكانيات في العمارة القديمة المتهالكة دي..
مفيش حد بيفتح..
_ مفيش حد جوة يا خالي..
_ أكيد نايمين يا صابرين .. اسكتي بئى متتكلميش.
_ حاضر
(الباب اتفتح .. واحدة عمرها 38 سنة .. لسة صاحية من النوم)
_ صباح الخير يا عبير..
(الست متفاجئة بوجوده)
_ أهلا يا عبده صباح الخير..
_ أنا قاصده في عمل إنساني..
_ مش فاهمة يا عبده .. ادخل في الموضوع على طول..
_ دي صابرين بنت أختي نجوى..
(الست متفاجئة بكلامه)
_ أختك نجوى اللي اتجوزت طليقي الله يرحمه؟
_ هو انا عندي غيرها يا عبير؟
_ ماشي .. مالها دي؟
_ أختي نجوى في السجن بسبب إيصالات أمانة
_ أيوة أيوة سمعت عنها.
_ البنت متعذبة من يوم ما أبوها مات .. وأمها دخلت السجن..
_ ليه وانت خالها أد الدنيا .. أكيد حافظها.
_ ان كان عليا يا عبير أصونها في عيني .. بس إلهام مراتي مش مخلية البنت في راحة.
_ انت هتقول لي عن إلهام .. دي ولية سووء
_ من غير غلط يا عبير..
(عبير بتبص على عبده نظرة غضب)
_ سيب البنت وامشي يا عبده.
(عبير بتمسك إيد صابرين من إيدها علشان تدخل .. وصابرين بتبص على خالها .. وبتبص على عبير خايفة منها)
_ ادخلي معاها يا صابرين متخافيش .. دي مرات أبوكي .. مش غريبة.
_ طليقة أبوها ياعبده
_ يعني البنت هتعرف يعني ايه طليقة انتي كمان.
(عبده بيطلع فلوس من جيبه)
_ خدي دول يا عبير .. وانا هجيب لك اللي تحتاجيه بعد كده
(عبير بتبص له بغضب)
_ حط فلوسك في جيبك يا عبده .. كفي نفسك وعيالك .. وكفي إلهام اللي عايزة تبلع البحر لوحدها.
_ ماشي يا عبير .. كلك جدعنة.
(عبير قفلت الباب في وشه، ودخلت بالبنت جوة)
صابرين داخلة مع عبير شقتها، في العمارة المتهالكة .. عمارة عفى عليها الزمن..
مفيهاش أي امكانيات ..
تليفزيون على الأرض، وبوتوجاز مسطح على الأرض..
مرتبة على الأرض .. كأنه طالب مغترب في مكان يخلو من ضروريات الإعاشة.
البنت بتبص على المكان .. كأنه سجن جديد رايحة تدخل .. بس سجن أقل نضافة م اللي كانت فيها..
البنت مش فاهمة حاجة .. مش عارفة إيه اللي بيحصل حواليها..
الواحدة مش بتقدر تعيش مع مرات أبوها في حياته .. وفي بيت نضيف..
ازاي هتقدر تعيش مع طليقته، واللي اتجوز أمها عليها .. وفي بيت مليان بالفقر المدقع ده..
هو ليه عبده جابها هنا ... هي عبير دي بتشتغل في إيه بالظبط..
وايه اللي خلاه يفكر بسرعة كده إنه أنسب مكان ليها أنها تعيش مع طليقة أبوها ...
ايه اللي منتظرك يا صابرين أكتر م اللي شفتيه؟
عبير دخلت جوة أوضة صغيرة .. وطلعت في إيدها طبق صغير ورغيفين عيش أبيض .. وعلبة جبنة صغيرة خالص..
فتحت العلبة وفرغتها في الطبق .. ونفضت العيش بإيديها..
وشاورت لصابرين
_ اقعدي كلي .. شكلك جعانة
_ أيوة أنا جعانة أوي .. بطني فاضية
(عبير ضمت شفايفها من الأسى)
_ اقعدي كلي العيش ده والجبنة دي .. وانا هعمل لك شاي .. بتحبي الشاي؟
(صابرين بتهز راسها بالموافقة .. يعني أيوة)
_ بتحبي الجبنة .. ولا أخرج أجيب لك طعمية سخنة.
_ أنا هاكل جبنة علشان عايزة أنام..
_ يا كبدي يا بنتي.. خلاص انتي تاكلي ومتشربيش شاي علشان تنامي..
_ حاضر .. مش عايزة شاي.
قامت عبير .. نفضت المرتبة اللي كانت نايمة عليها في الأرض .. ونفضت الغطا .. وجهزته لها..