اَلْقَرَوِيُّونَ لَيْلَةَ رَأْسِ السَّنَةْ
شعر
السمّاح عبد الله
منذ انتصاف النهارْ
يهيِّئون بهو الفندقِ الكبير
لليلةِ رأس السنة
كانوا قد أعادوا طلاء الحوائط
بلونٍ برتقاليٍّ بهيجْ
وزيَّنوا السقفَ بالبالونِ
والمصابيحِ الملوَّنة
وأعدّوا لكل رجلٍ وامرأةٍ
مكانًا منزويًا
يُمَضِّيان فيه لحظةَ انطفاء النور
ورشّوا على المكانِ بهجةً وضيئةً
وفرحا
يليق بالعام الجديد
حتى إذا ما هبط المساء الخفيف
على جدران الفندق الأعجميّ
ابتدأ السيّدون البهيجون والسيّداتُ الفرحاتُ
يدلفون إلى البهو
بازرقاقهم
وبرتقاليتهم
وأحمرهم الشفيف
وارتصُّوا
على الكراسيّ المرصوصة
يتبادلون الابتسامات
والإشارات
والغمزات المسروقة
والنكات الخارجة
القرويّون
يكونون قد انسلوا من بيوتهم
وعبّأوا جيوبهم
بالذكريات الذبيحة
ومرّوا على الشوارع الجانبية
والأشجار الماشية
والعربات الطوّافة
حتى وصلوا
إلى عتبات الفندق المزدان
فدلفوا إلى البهو الوسيع
وانسلّوا
إلى الدرجات المؤديةِ إلى السطح
ووقفوا في المنتصف
يتبادلون النظرات
كانوا يفكّرون بِقُراهم البعيدة
وبأشباحٍ نحيلةٍ
عبرت ذات نهارٍ بعيد
على السياجِ البوصيّ للحقول
عند دقات الساعة الاثنتي عشرة
يضع القرويُّون أيديهمُ في جيوبهم
ويخترجون الذكريات الذبيحة
يفردونها على أصابعهم
ويبدأون في النشيج
بنهنهةٍ واطئةٍ
ثم بأنينٍ مكتومٍ
ثم بصراخٍ عالٍ
وتسيل الدموع
السيّدون البهيجون والسيّداتُ الفرحاتُ
في بهو الفندق العريضِ
يكونون تماما
في عمق اللحظة العالية
مشتجرين
في أوتار العيدان
وذائبين
في ورود العسل المنساب
لا يدركون
أن القرويين على السطح الفسيح
بدأتْ دموعهم تعلو
حتى غطّتْ أرجلهم
وبللتْ ثيابهم
وانسلتْ من فوق السور
وهطلتْ على الحيطانْ
لأنهم
عندما يخرجون من البهو العريض
متأبّطي الأذرع
ومبتسمي الشفاه
وملفوفين
في الدخان الأزرق
ودوار الخمور
سيظنّون أن السماء تمطر
مطرًا
خفيفا
عندما تلامسُ دموع القرويّين
خدودهمُ الناعمةْ .
------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق