د. هيا إبراهيم الجوهر
هل جلست يوما وحيدا في مكان ما تلفك الظلمة وتتراءى أمامك الخيالات والصور المرعبة؟
وتحس أن هناك من يقف خلفك أو يمر أمامك وتسمع أصواتا تناديك، وتتلفت حولك، ولا تجد أحدا فيبدأ الخوف يسري في بدنك ويتصبب عرقك، وتتسارع دقات قلبك، وتحاول أن تبتلع ريقك فتجده جف، وتسمي بالله، وتتعوذ من الشيطان، وتحاول الهرب أو الخروج من المكان،
ستكون إجابة الأغلبية، نعم،
تحدث لنا مثل هذه الأمور، ولكن إحساسنا بها وقتي ينتهي بانتهاء المؤثر، بل نحاول ألا نتذكر تلك المواقف التي تدل على ضعفنا.
ولكن عندما حدث نفس الشيء للعالم الفيزيائي (فيك تاندي) لأول مرة في حياته، وكان في مختبره يقول تاندي (عندما كنت أعمل ليلا في معملي شعرت وكأن شبحا يدنو مني من الخلف، ارتعدت ، تصبب عرقي، نظرت خلفي بفزع، لم أجد شيئا تفقدت المكان كان خاليا تماما من أي شيء غريب ثم تلاشت أحاسيس الخوف).
كانت هذه الحادثة التي تكررت معه عدة مرات تلك الليلة نقطة تحول في حياته فلم يدع الحادثة تمر، بل استخدم حس الباحث للعثور على تفسير منطقي لما حدث، فأول ما لفت نظره أن مصدر خوفه بدأ من حاسة السمع لديه، ولم يكن لهذا المصدر أي أثر في حواسه الأخرى مثل البصر أو اللمس، ومن هنا انطلق، ورسم خطة للبحث لتفسير ما حدث معه تلك الليلة.
بدأ برحلة شاقة ومرعبة لبعض الأماكن المخيفة التي تتردد حولها القصص والأساطير مثل الكهوف، والمقابر، والقصور المهجورة حاملا معه أجهزة متطورة لقياس ترددات الأصوات في تلك الأماكن، ومن الأماكن التي زارها سراديب أدنبرة التي بنيت سنة 1780، ونسجت حولها العشرات من القصص المخيفة، وبدأ بتسجيل أطوال الموجات الصوتية وتحت الصوتية، ومن تجاربه وقياساته وجد أن هناك مستوى غير عادي للموجات تحت الصوتية التي لا يستطيع الإنسان سماعها، ولكنها تثير الجهاز العصبي، وتحفز أجهزة المناعة لديه فيفرز هرمون الأدرينالين، ومما يزيد الأمر سوءا ضعف الإضاءة والرطوبة وانخفاض درجة الحرارة وهذه العوامل تعمل على تضخيم وتكثيف (الموجات تحت الصوتية) فنسمع ونتوهم رؤية أشياء غير موجودة.
والموجات الصوتية ثلاثة أنواع: نوع يستطيع الإنسان سماعه ويكون تردده من 20 إلى 20000 هيرتز، وتسمى الموجات المسموعة Audible Waves والموجات التي ترددها أقل من 20 هيرتز، وتعرف بالموجات تحت الصوتية Infrasonic Wavesولا يستطيع البشر سماعها بخلاف بعض الحيوانات مثل الفيلة التي تستخدمها في التواصل فيما بينها والفئران التي تستطيع الإحساس بالزلازل التي تصدر عنها موجات تحت صوتية قبل وقوعها وغيرها من الحيوانات التي تكلمنا عنها في مقال سابق، أما النوع الثالث وهي الموجات فوق الصوتية Ultrasonic Waves هذه الموجات الصوتية لها ترددات تزيد عن الحد الأعلى للموجات السـمعية، أي تزيد عن 20000 هيرتز، يسـتعمل البعض صافرة صامتة لاسْتِرْجاع كلابهم، حيث إن هذا الصوت فوق السمعي المنبعث يكون مسـموعا بســهولة للكلاب بالرغم من أن البـشـر لا يَستطيعون اكتشافه مطلقا، وتســتعمل الموجات فوق السـمعية في مجالات عديدة منها التصــوير الطبـي Medical Imaging. ومن نعم الله على الإنسان أنه لا يسمع الموجات تحت السمعية أو فوقها وذلك حتى ينعم بالهدوء ولو استجابت لها أذن الإنسان لأصبحت حياته جحيما أو ضجيجا لا يطاق.
وهذا التفسير العلمي يعد مهما جدا للتخلص من عالم الأساطير والتوقف عن اللجوء للماورائيات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق